كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر مبادرة لندن - شباط 2019

٢٨ شباط ٢٠١٩

" بسم الله الرحمن الرحيم

معالي وزيرة التنمية بيني موردونت،

أصحاب المعالي والسعادة،

شركاءنا وأصدقاءنا الكرام،

شكراً لكم. ويسعدني أن أكون معكم اليوم. إن العلاقة التي تربط الأردن بالمملكة المتحدة هي صداقة متينة تجمع بين بلدين شريكين، أدركا على مدى السنين أن بإمكانهما الاعتماد على بعضهما البعض في شتى الظروف؛ فقد استمرت صداقتنا في أوقات الرخاء والشدة. وأنا أثمن مواقف المملكة المتحدة والتزامها، والجهود الكبيرة التي بذلها كل من ساهم في تنظيم هذا المؤتمر.

وأود أن أشكر أيضاً جميع من انضم إلينا وحضر المؤتمر. إذ يجتمع هنا اليوم ممثلون عن 60 دولة ومؤسسات دولية كبرى، وقادة لمؤسسات مالية دولية ومن القطاع الخاص على مستوى العالم. إن مشاركتكم تعتبر رسالة دعم واضحة، مفادها أن العالم يدرك أهمية أردن قوي ومزدهر.

وأوجّه الشكر والتقدير للأردنيين والأردنيات؛ فبفضل ثباتهم وعزيمتهم تمكن الأردن على الدوام من الوقوف بقوة وشموخ في وجه العواصف الخارجية. وهذا الثبات والعزيمة هما بنفس الوقت مصدر الفرص الواعدة والماثلة أمامنا. ولشباب الأردن بشكل خاص دور قيادي، ويسعدني أن أرى مجموعة من شباب وشابات الأردن الواعدين في هذا المؤتمر المهم.

أصدقائي،

أعلم أن اجتماعات اليوم تركز بشكل مفصل على الفرص الاقتصادية في الأردن. لذا اسمحوا لي بالتحدث قليلاً عن أهمية ما تقومون به.

مما لا شك فيه، أن السنوات الماضية شكلت تحدياً استثنائياً للأردن؛ فما أن بدأ التزام الأردن بالإصلاحات يؤتي ثماره، حتى تأثرنا - كما غيرنا - بالأزمة المالية العالمية، تبعتها صدمات متعددة أثرت في أسعار الطاقة العالمية ومصادرها. كما تسببت الاضطرابات في المنطقة بتعطيل الطرق التجارية الرئيسية وانقطاع إمدادات الطاقة. وازدادت التحديات وتبعاتها على الأردن بفعل أزمة اللجوء السوري، وهي مسؤولية دولية لم توزع أعباؤها بشكل عادل، باستثناء التزام عدد محدود من شركائنا الدوليين.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، بقي الأردن منيعاً، قوياً، ورمزاً للقيم التي يحتاجها عالمنا، وهي: الاحترام المتبادل، والاعتدال، والعزم والإصرار، والكرامة الإنسانية للجميع. وقد رحبنا باللاجئين اليائسين ومددنا لهم يد العون كما فعلنا على الدوام. واتخذنا إجراءات صعبة ومسؤولة للتصدي للضغوطات الهائلة على اقتصادنا وموازنتنا.

ولكننا لن نتمكن من الوصول إلى المستقبل الواعد، والذي نعلم أنه ممكن، في ظل نمو اقتصادي بطيء. فهو لن يوفر فرص العمل ولن يؤمّن المعيشة الكريمة التي ينشدها ويستحقها الأردنيون، خاصة بعد بذلهم تضحيات كبيرة. إن دعم شعبنا سيزيد من عزيمة الأردن ليستمر في دوره الدولي الإيجابي والبنّاء في العمل المستمر من أجل السلام، والوئام بين الأديان، والتنمية في المنطقة والعالم.

ولهذا قام الأردن بمراجعة عميقة وشاملة لأجندته الاقتصادية ليعيد التركيز بشكل استراتيجي على الميزات التنافسية التي يتمتع بها، وفي مقدمتها القدرات الكبيرة لشبابنا الطموح. بالإضافة إلى موقع الأردن الاستراتيجي كنقطة تلاقٍ بين القارات والأسواق، فضلاً عن الاحترام الدولي الذي يحظى به، والذي يمثل الركيزة للعلاقات التجارية الراسخة ولاتفاقيات التجارة الحرة المتعددة التي نتمتع بها.

وكما سترون وتسمعون على مدار اليوم، فإن استراتيجيتنا الاقتصادية تمنح الأولوية لقطاعات الخدمات التي تعتمد على القوى البشرية الأردنية الماهرة، وتمتلك إمكانيات هائلة للنمو وتوفير الوظائف ذات الأجور التي تكفل حياة كريمة للأردنيين وتلبي احتياجاتهم الأساسية، بالإضافة إلى استفادتها من الاتفاقيات التجارية المتعددة التي وقعها الأردن لتمكين الشركات العاملة فيه من الوصول إلى أسواق تضم مليار مستهلك حول العالم. كما أننا نعمل بشكل حثيث للتحول نحو إنتاج الطاقة البديلة من خلال الاستفادة من المزايا التي يتمتع بها الأردن في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وبحلول العام القادم، من المتوقع أن نولد خُمس احتياجاتنا من الطاقة من موارد الطاقة المتجددة. ومن شأن جميع هذه الخطوات تحفيز النشاط الاقتصادي وتوفير فرص العمل.

ولقد شرع الأردن بالفعل بتنفيذ المزيد من الإصلاحات لإرساء بيئة محفزة للأعمال، كما أننا نعمل بشكل مستمر مع المجتمع الدولي لتوفير المرونة المالية اللازمة للنمو الاقتصادي؛ والحصول على التمويل الميسر أمر ضروري لتحقيق ذلك.

إن استراتيجيتنا الاقتصادية تمتد على مدار خمسة أعوام من أجل ضمان الاستدامة والاستمرارية. ولن ننتظر الظروف الحالية حتى تنفرج من تلقاء نفسها. فاليوم، ستتعرفون على مشاريع جاهزة للاستثمار توفرها آلية مؤسسية لإعداد المشاريع، وهي جهد أردني بالشراكة مع مؤسسة التمويل الدولية لتحديد المشاريع ذات الجدوى، بالإضافة إلى الهيكلة القانونية والمالية المطلوبة التي ينشدها المستثمرون.

أصدقائي،

هذا المؤتمر يشكل نقطة البداية لبرنامج وجهد جديد للنمو الاقتصادي في الأردن. ودعم هذه الجهود يحقق منافع واسعة؛ فعندما تقوم جهات دولية مثلكم بدعم شعب يقوم بفعل الصواب، وعندما تعملون على تنمية الفرص، وعندما تسعون لتحقيق آمال الجيل الجديد بمساعدتكم الشباب في بناء مستقبل مشرق، فإنكم تقومون بتوفير الظروف لبناء اقتصاد عالمي مستقر وأخلاقي، وهو ما يعتمد عليه مستقبل الجميع.

وإذا كنتم تعتقدون أنني أتحدث إليكم اليوم كمدافع عن الأردن، فقد أصبتم.

فعلى مدار العقدين الماضيين، لم يشهد أحد قوة شعبي ومنعتهم كما خبرتها. لقد أصغيت إلى العائلات الأردنية ورأيت مدى تفانيهم في عملهم، وكرم عطائهم، وعزيمتهم. كما لم يرَ أحد المناظر الطبيعية الخلابة في بلادي ويشهد تنوعها كما رأيتها وشهدتها. فقد رأيت مدننا تتجدد بفعل مشاريع التطوير الخلاقة ]كمشروع العبدلي في عمان[، ورأيت مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تفتح لنا آفاق الطاقة المتجددة. وزرت مواقع التراث العالمي الخمسة في بلادنا، والتي تجذب السياح من المنطقة والعالم. ورأيت عن قرب مزارعنا الخضراء الخصبة، وميناءنا الذي بات يستقبل السفن العابرة للمحيطات. والتقيت آلاف الشباب والشابات الأردنيين الذين يعملون من أجل مستقبلنا، فمنهم مبرمجو الحاسوب الشباب الذين يتقنون العربية والإنجليزية، ويقودون المنطقة في قطاع الاتصالات وإنتاج المحتوى العربي على الإنترنت، ومنهم رجال وسيدات الأعمال الذين يساهمون في بناء الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، ومنهم العلماء الذين يقودون الأبحاث في أول مسارع ضوئي في الشرق الأوسط، وغيرهم العديد من القادة والمبدعين الرياديين الشباب. وهؤلاء جميعاً تواقون للعمل معكم. 

أصدقائي،

في الواقع، إن لم تكونوا قد زرتم الأردن مؤخراً، فإنكم لم تروه بحق. لذا، أدعوكم جميعاً لزيارته لتشاركونا في بناء مستقبل مشرق.

إن القيادة الاقتصادية بطبيعتها ترتبط بالقدرة على استشراف المستقبل. ومشاركتكم في هذا المؤتمر بتقديم رؤى مستقبلية يبعث رسالة أمل قوية لشعوبنا؛ فهذا المؤتمر يحمل شعار "نمو وفرص"، وأدعوكم أن تترجموا هذا الشعار بأفعالكم وجهودكم في هذا اليوم وفي القادم من الأيام. وأتمنى لكم النجاح والتوفيق.

شكراً لكم".