كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط

١٥ أيار ٢٠٠٩

بسم الله الرحمن الرحيم

أصدقائي،

الحلول الناجعة هي تلك المتأتية من الأهداف القوية. وأنا هنا اليوم لأحثكم على عدم قبول أي قيد على أهدافكم. ففي منتدى هذا العام، سوف تتعاملون مع أكثر القضايا أهمية في زماننا، وليكن تعاملكم معها بالمستوى الذي تتطلبه من الجدية والفاعلية.

ليكن تعاملا لا يساعد بلداننا على تجاوز مرحلة الانكماش الاقتصادي العالمي فحسب، وإنما يضمن أن تشكل منطقتنا مركزا لإنتاج الطاقات والكفاءات، وأن تكون وجهة للفرص والنجاح، وقوة حاسمة في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي.

وليكن تعاملا لا يعمل على رفع سوية التعليم والقدرات البحثية فحسب، وإنما يجعل من منطقتنا موطنا للتميز في القرن الحادي والعشرين، وموئلا للإبداع والإنجاز.

ليكن تعاملا لا يضع نهاية للصراعات فحسب، وإنما يصنع سلاماً شاملاً، وعالما آمنا ومزدهراً.

ويجب ألا يساوركم الشك في إمكانية تحقيق هذه الأهداف. ذلك أن لديكم القدرة والمعرفة، ولديكم الشراكات التي سوف تساعدكم في هذا الأمر.

أعلم أنه من السهل أن يشعر المرء، في هذه الأوقات الصعبة من عام 2009، بأن الأحداث تصنع في مكان آخر. فهناك ركود عالمي بدأ في بلدان بعيدة عن حدودنا، لكنه هز الثقة وأثّر على التنمية في جميع أنحاء العالم. أما سياسيا وأمنيا، فقد حال قصر النظر دون إنهاء الصراعات. وما يزال الاحتلال، وانتهاك الحقوق الأساسية في الحرية والكرامة وامتلاك الفرص، يحرم منطقتنا من السلام الذي تحتاجه، ويحد من قدرتها على تحقيق ما تستطيع من تطور وإنجاز.

هذه التحديات جسيمة. لكنها لن تكون قادرة على هزيمة منطقتنا وتحديد مستقبلها. فقرار الانهزام أو النهوض بأيدينا نحن. ويمكننا، بل يجب علينا، إذا اتخذنا الاختيارات الصحيحة، وامتلكنا الشجاعة والإرادة، أن نصنع المستقبل الذي تستحقه شعوبنا.

ويبدأ ذلك بالإجماع على العمل وفي إطار منهج نصوغه نحن لتحقيق الوحدة في الموقف والتقدم والسلام.

وليس هناك مكان تظهر فيه هذه الوحدة في الموقف أكثر من مبادرة السلام العربية، التي توفر فرصة تاريخيةً لإيجاد مستقبل أفضل لكل مواطن في هذه المنطقة، يقوم على أساس اتفاق لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وفق حل الدولتين، الذي يلبي الحقوق المشروعة للفلسطينيين في الحرية والدولة، ويقدم للإسرائيليين الضمانات الأمنية والعلاقات الطبيعية التي يحتاجونها.

لقد التزمنا نحن بالسلام. ويجب على إسرائيل أن تلتزم بالسلام أيضا. فقد قدمت مبادرة السلام العربية لإسرائيل مكاناً في الجوار، وأكثر من ذلك، القبول من 57 دولة، هي ثلث أعضاء الأمم المتحدة، لا تعترف بإسرائيل حتى الآن. وهذا ما يوفر الأمن الحقيقي، الأمن الذي لا تستطيع أن تحققه الحواجز ولا الجيوش المسلحة.

لكن الوقت لتحقيق ذلك ينفذ. فقد جلب كل تأخير في تحقيق السلام مزيداً من المخاطر، على الفرقاء والمنطقة والعالم أجمع. وينبغي ألا تكون هناك المزيد من الفرص الضائعة، ولا المزيد من عملية سلام بلا نتائج. فالمطلوب هو فعل يقود إلى نتائج ملموسة، وخطة واضحة لمفاوضات شاملة، والتزام بالعمل للتوصل إلى حل نهائي.

هذه هي الرسالة التي نقلتها إلى الرئيس أوباما عندما التقيت به قبل بضعة أسابيع. وقد وجدت موقفه الملتزم بحل الدولتين ضمن سياق إقليمي للوصول إلى سلام شامل مشجعا. ووجدت ذات الموقف المشجع في جميع المحادثات التي أجريتها في واشنطن، والتي بدا واضحاً خلالها أن عدم التحرك من أجل الحل لم يعد خياراً.

لقد وفر هذا الالتزام الأميركي الآن فرصة لتغيير وجهة الأحداث، لكن أي خطوة بمفردها لن توصلنا إلى حيث يجب أن نكون. ومثلما التزمت الولايات المتحدة بالعمل، فيجب علينا نحن في المنطقة، وعلى جميع أصدقائنا، أن نبقي التركيز منصبّا على تحقيق النتائج. ولذا، فلتكن الرسالة إلى العالم أن الأرضية لتحقيق السلام موجودة، ولم يعد هناك أعذار للفشل.

أصدقائي،

إن مبادرة السلام العربية ليست سوى إحدى التعبيرات عن تصميم منطقتنا على صياغة مستقبلها الإيجابي. ونفس هذا الإحساس بالغاية والوحدة يجب أن يحكم معالجة قضايا الاقتصاد والأنشطة الأخرى.

كما أن هذه الأوقات الاقتصادية الصعبة تدعونا إلى التركيز على الأساسيات التي أضحت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، لتشجيع الاستثمارات وإيجاد الفرص التي ستقود إلى التعافي الاقتصادي وتلبي حاجات شعوبنا.

وحتى ننجح، ينبغي أن نبني شراكات إقليمية في قطاعات متعددة. فالتحديات تواجهنا جميعا، ولا يملك أي منا الحل منفردا. ونستطيع، إن عملنا معا، أن نواجه تحديات توفير أنظمة التعليم الحديثة، وإدارة المياه والموارد النادرة الأخرى، والحلول الصحية والبيئية، والتنمية الحضرية والمجتمعية، إلى جانب الكثير من الأولويات الإقليمية.

أيها الأصدقاء،

لعل من أهم سمات هذا المنتدى هي توجيه اهتمامكم إلى أهم ثرواتنا المحلية والمتمثلة في الشباب. فعدد الشباب في الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين هو الأكبر في التاريخ. وفي بضع سنوات، سيكون هناك 200 مليون شاب وشابة. وسيكون عليهم وضع استراتيجيات منطقتنا والعمل على إيجاد الحلول لمشكلاتنا. ويحتاج الشباب، ويستحقون، كل الأدوات التي يمكن أن نمنحها لهم حتى يتأهلوا لقيادة مجتمعاتهم. ولقادة المنطقة الشباب أقول: اعلموا أن لديكم القدرة على تحويل وجهة المستقبل. ولذا، عليكم وضع أهداف كبيرة، وسوف نساعدكم جميعاً، نحن الحاضرون هنا اليوم، على تحقيقها.

أصدقائي،

تشكل هذه المنتديات في العادة مناسبات للتطلع للمستقبل، لكنها تشكل أيضا فرصة للنظر إلى الماضي. ففي هذا اليوم، الخامس عشر من أيار، وفي كل أنحاء العالم، يحيي الناس ذكرى النكبة، تلك الكارثة التي حلت بالفلسطينيين قبل 61 عاما. وحول موائد العائلات في هذه الليلة، سيتحدث كبار السن عن حياة كاملة من الأحزان والفقدان. أما المواليد الجدد الذين يشكلون الجيل الرابع للنكبة، الجيل الرابع! فقد ولدوا ليشهدوا الصراع ولينظروا لمستقبل غير واضح المعالم .

إن هذا التاريخ ليس بالكارثي بالنسبة للفلسطينيين فحسب، وإنما لكامل الشرق الأوسط، بل ويمكنني القول للعالم أجمع. فبينما نتشارك معاً في تذكر كل ما ضاع، وبينما تغمرنا مشاعر التعاطف مع جميع من عانى، دعونا نلزم أنفسنا بأن نسهم في إيجاد الحل.

ومعاً، ومن صميم مبادراتنا الخاصة، أعتقد أن منطقتنا ستقود العالم بعيداً عن الدمار، وإلى وجهة المستقبل الذي نصبو إليه والمتمثل في شرق أوسط غير منقسم، معزز بالتعاون ومصمم على القيادة، وإلى حقبة واعدة لكل واحد من أبنائنا بحياة تسودها الكرامة والفرصة والأمل.

وسوف يساعد عملكم في جعل ذلك المستقبل حقيقة واقعة.

وختاما، أشكركم على وجودكم هنا، وأتمنى لكم النجاح، اليوم وفي الأيام والأشهر القادمة.