كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال مشاركته في قمة يستضيفها الرئيس الأميركي باراك أوباما لبحث جهود التحالف الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب وعصاباته في العالم

٢٩ أيلول ٢٠١٥

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال مشاركته في قمة يستضيفها الرئيس الأميركي باراك أوباما لبحث جهود التحالف الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب وعصاباته في العالم


(مترجم عن الإنجليزية)
بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر الرئيس أوباما على ما يبديه من قيادة وتصميم، وما يبذله من مساع إزاء ما نناقشه اليوم من جهود للتحالف الدولي في مواجهة الإرهاب، والذي قد يكون الخطر الأكبر في تاريخنا المعاصر.
تحدثت، في العام الماضي، ومن على هذا المنبر أيضا، عن حاجتنا لإيجاد ما أسميه "ائتلاف أصحاب الإرادة"، وقد تم إنجاز ذلك بالفعل.

وعلى امتداد العام الماضي، نجحت إرادتنا المجتمعة في الحد من إمكانيات عصابة داعش الإرهابية. ومن أهم الإنجازات أيضاً، نجاحنا في الحيلولة دون وصول هذه العصابة المجرمة إلى أهم مصادرها المالية الحيوية.

ونتيجة لهذه الجهود، فإن القوة التي كانت تتمتع بها عصابة داعش تم إضعافها. وبالرغم من هذا، فمازال أمامنا الكثير من التحديات المهمة والتي لا بد من تجاوزها. وكما قُلْتَ بالأمس فخامة الرئيس "إذا لم ننجح في العمل سوياً وبفاعلية، فإننا سنعاني من التبعات".

جميعنا نعلم بأن الطريق أمامنا ما زالت طويلة، ولكننا نستطيع اجتيازها بنجاح عبر العمل الجماعي والتطوير المستمر في الاستراتيجية الخاصة بنا، وزيادة مستوى التنسيق بين دول التحالف.
وبالرغم من تركيز التحالف جهوده على محاربة عصابة داعش في سوريا والعراق، إلا أن هناك ضرورة لنهج شمولي بنظرة أوسع وخطة عملية للقضاء على هذا التهديد بشكل نهائي، بالإضافة إلى الحاجة إلى حلول سياسية جامعة تشمل كل المكونات لمعالجة التحديات التي نواجهها. وعلينا أيضا التصدي بشكل أكثر فاعلية لمسألة استمرار تدفق المقاتلين الأجانب، وإغلاق قنوات الدعم لعصابة داعش الإرهابية عبر بعض المناطق الحدودية.
ومن المهم أيضا تعزيز قدرة الأطراف المحلية على محاربة عصابة داعش، وإدارة الجهود العسكرية بطريقة تضمن تخفيف معاناتهم.
وكما قلت العام الماضي، فإن هذه المعركة هي معركتنا بالدرجة الأولى. وعلى الأمة الإسلامية جمعاء أن تقود هذه المعركة ترسيخا لحقيقة ديننا الحنيف وحمايته. وكما أشرت فخامة الرئيس أوباما، فبالرغم من أن هذه الحرب تدور رحاها في ميادين القتال، إلا أنها لن تحسم إلا في ميادين الفكر.

كما أن هناك تحد آخر علينا التعامل معه بطريقة أكثر فاعلية، ويتمثل في المعركة الجارية في الفضاء الإلكتروني. فالكل يعلم بأن عصابة داعش الإرهابية تقوّي من عزيمتها من خلال تجنيد أعضاء جدد على مستوى العالم والتغرير بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما زالت قادرة على تمويل المجندين الجدد للسفر إلى سوريا والعراق.

إن كلا من داعش، وحركة الشباب، وبوكو حرام وغيرها من العصابات الإرهابية تمثل وجوهاً متعددة لنفس الخطر الذي نواجهه؛ فهم يتواجدون في سيناء وليبيا واليمن ومالي والآن في أفغانستان وفي أماكن أخرى في إفريقيا وآسيا. ولن يكون أي منّا في مأمن حتى نجد طريقاً لمعالجة هذا الواقع المبني على سلسلة من التحديات. إن هذا ليس تحد تواجهه دولة بعينها، على مستوى محلي أو إقليمي، بل هو تحد جماعي، يعنينا جميعاً.

وفي هذا السياق، فإن الأردن – كونه بلدا مسلما وعربيا – قد بدأ جهودا مشتركة تجاه دول في إفريقيا للمساعدة والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لبناء شراكة كفيلة بمواجهة المخاطر المتعددة.
إننا على يقين بأنه لا بديل عن إيجاد نهج شمولي وإدامة التنسيق الحثيث بين جميع الدول والشركاء، بأسلوب يأخذ بعين الاعتبار التهديد الذي تمثله مجموعات إرهابية متعددة على امتداد المنطقة. ونأمل بأن يؤدي هذا إلى تنسيق البرامج والجهود الموجهة لمحاربة التطرف، وتقديم الدعم الأمني ضمن استراتيجية موحّدة.

وفي الختام، أؤكد بأنه لا يمكننا التعامل مع هذا الخطر بمعزل عمّا يدور حولنا. فالسماح للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالابتعاد أكثر فأكثر عن حل الدولتين يغذي قدرة المتطرفين على التجنيد. وعلى العالم بأسره آلا يصمت على انتهاكات حرمة المسجد الأقصى، والتي تؤدي بالضرورة إلى تقوية من يسعون لإشعال فتيل الصراعات الدينية.

إن الانتصار في معركة كسب العقول والقلوب هو التحدي الأكبر، لأنه يتطلب التعامل مع قضايا أساسية مرتبطة بمسائل الحكم الرشيد والفقر والشباب وإيجاد فرص العمل والتعليم على المدى القصير والمتوسط.

ومن خلال تحقيق الاستقرار في المنطقة بأسرها، ومنح الناس الأمل بدلا من الخوف والدمار، يمكننا فعلاً أن نعالج مختلف التحديات، بما فيها مشكلة تدفق اللاجئين، أولئك الهاربين من بطش الإرهاب سعياً نحو حياة كريمة بعيداً عن أوطانهم.