كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال الحفل السنوي لغرفة التجارة العربية البريطانية

١٥ تشرين ثاني ٢٠١١

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب السمو الملكي،
حضرة البارونة،
الوزير هاموند،
الدكتورة الشعيبي،
السيدات والسادة أعضاء الغرفة... أصدقائي،

أشكركم جميعا.

اسمحوا لي أن أعبر عن المزيد من التقدير للدكتورة الشعيبي — أول سعودية وأول إمرأة تتولى منصب الأمين العام لهذه الغرفة — وهذا مثال على الانجاز والقيادة المتميزة التي تتمتع بها. دكتورة الشعيبي، لقد كان من دواعي سرورنا أن استقبلناك والبارونة سايمونز في الأردن هذا العام، ويشرفني أن أشارككم جميعا، الاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين لإنشاء غرفة التجارة العربية البريطانية.

أصدقائي،
نلتقي هنا في الوقت الذي يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات تاريخية. ولكل دولة في المنطقة مسارها الخاص المتميز، لكن أفضل ما يعبر عن هذه المسارات جميعا اسم واحد: الربيع العربي... وهو موسم تحول ونمو وإضطراب وأمل.

إن التغيير مسيرة مستمرة وليس حدثا معزولا، والكثير يعتمد على ما سوف يحصل في المرحلة التالية، وسوف أكون صريحا معكم هذه الليلة وأقترح ثلاثة أسباب من شأنها أن تعزز الشعور بالثقة في منطقتنا.

أولها شمولية الأحداث، فالربيع العربي لم يكن محصورا بمجموعة واحدة، إذ رأينا أناسا من العديد من المجتمعات والقطاعات، منهم الشباب والنساء يلعبون أدوارا بارزة تتناسب مع أهميتهم، خاصة الشباب الذين يمثلون أغلبية السكان والنساء وهن نصف البشرية. وأعتقد أنه لا عودة عن هذه المشاركة التي شهدناها. ونحن بحاجة إلى هذه الطاقات المنتجة للوصول إلى حلول تساعدنا على المضي إلى الأمام.

والحقيقة الثانية هي مركزية قضية الكرامة الإنسانية. فمن الباعة في الشوارع وحتى الطلبة ومن المعلمين وحتى قادة الأعمال، الجميع يطالبون بالشيء ذاته، وهو الاحترام لكل فرد. وهذه الروح في غاية الأهمية، إذ يجب أن يتجاوز التغيير الإيجابي البنى الشكلية ليشمل طريقة حياة مبنية على القيم المشتركة: العدل والمساءلة وسيادة القانون والاحترام المتبادل بين الجميع.

أما الحقيقة الثالثة التي شهدناها هذا العام فهي الوعي العالمي، فالملايين من شعوبنا ينخرطون بشكل متزايد في حوار عالمي. فعلى غرار نظرائهم في كل مكان، تريد شعوبنا المساهمة في قيادة مرحلة التقدم في هذا العصر نحو آفاق أرحب وقدرة أكبر على الحصول على الفرص ودور في صياغة مستقبل العالم. وبكل بساطة، لن يحرم الشعب العربي من دوره في الشراكة الإنسانية العالمية. بل تعد هذه الشراكة منصة لتعاون دولي أعمق بين مناطق ومؤسسات وشعوب العالم.

أصدقائي،
هناك العديد من العوامل التي تساعد على ترجمة آمالنا إلى واقع، فالكثير من دولنا تواجه احتياجات ملحة، فشبابنا يتخرجون من الجامعات ليواجهوا أسوأ معدل بطالة في العالم. وتعد السياسة الاقتصادية الذكية في غاية الأهمية لدعم النمو الشامل المولد لفرص العمل. ونحتاج كذلك إلى حاكمية رشيدة لضمان أن يعمل الجميع حسب معايير عادلة وتوقعات واضحة وعلى أساس قوي نبني عليه حياة سياسية مستقرة. ونحتاج أيضا إلى شراكات مع أصدقائنا في العالم ممن يقدرون الدور الاستراتيجي للشرق الأوسط في صياغة مستقبلنا المشترك.

لقد قطعنا في الأردن شوطا طويلا في طريقنا للمستقبل، وعلى عدة مسارات. ومن ذلك إنجازنا لتعديلات دستورية جديدة بهدف حماية الحقوق والحريات المدنية وضمان الفصل بين السلطات الثلاث. وسيتم إنشاء محكمة دستورية، إلى جانب هيئة مستقلة للانتخابات. وفي الوقت ذاته، نعمل بتصميم وجدية على تطوير الأحزاب الوطنية والحياة السياسية.

وفيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، فإن تركيزنا ينصب على النمو الغني بفرص العمل والابتكار والمشاريع الرائدة. ولا تزال الاستثمارات الوطنية في مجالي البنية التحتية والتعليم مستمرة — ونشهد حاليا ثمار النجاح في قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات. وقد ساعدت اتفاقيات التجارة الحرة الشركات التي تتخذ من الأردن مقرا لها على إيجاد أسواق مربحة. وقد دخلت الشركات البريطانية في مجالات نمو واعدة مثل الطاقة البديلة والتعدين والخدمات المالية والقانونية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كذلك يبدو المستقبل مشرقا بالنسبة لقطاعات السياحة والخدمات الصحية والهندسة ومجالات أخرى. وأقدر عاليا دول مجلس التعاون الخليجي على دعمها لانضمام الأردن للمجلس، وهي إشارة قوية على الثقة بقدرة بلدي على الإنفتاح على العالم ومستوى الاستقرار والأمان وإمكانيات النمو فيه.

أصدقائي،
في مناسبة أخرى، تحدثت حول البوابات الأربعة للمستقبل العربي، وهي بوابة الكرامة وبوابة توافر الفرص وبوابة الديمقراطية وأخيرا بوابة السلام والعدل والتي لا يمكن الفصل بينها. ولا يمكن لمنطقتنا أن تحقق كامل طاقاتها حتى تتحقق هذه العناصر جميعا بلا استثناء. لقد حان الوقت فعلا أيها الأصدقاء كي ندعم كرامة وحقوق وأحلام الشعب الفلسطيني.

لقد تحدثت الدول العربية بصوت واحد باسم السلام العادل، والقائم على حل الدولتين، إحداهما دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبناء على قرارات الأمم المتحدة، وبما يعالج جميع قضايا الوضع النهائي. وبالمقابل تحصل إسرائيل على الأمن والقبول في المنطقة. وأطلب اليوم شراكتكم في جهود السلام والازدهار، كي ندفع بأطراف العملية مجددا إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق نهائي.

أصدقائي،
نجد من نواح عديدة أن العالم اليوم مكان مختلف عما كان عليه عندما تأسست غرفة التجارة هذه.

ففي عام 1975 كان بيل غيتس على مقاعد الدراسة الجامعية، و كانت (أبل) عبارة عن شركة للتسجيلات، أما برنامج ومجلة (توب أوف ذا بوبس) فقد كانا في قمة أوجهما. أما أعلى بناية في لندن فقد كانت برج الاتصالات، كما جاءت أول رحلة لطائرة الكونكورد البريطانية — والتي كانت إلى البحرين بالمناسبة وليس إلى نيويورك — على بعد سنة واحدة (من العام 1975)، ولم يكن لدى أطفالنا هواتف خلوية.

من المؤكد أننا سنشهد المزيد من التغيير في السنوات القليلة القادمة، ولكن هناك شيء واحد لن يتغير، وهو قوة الشراكة. فلم تكن الشراكة يوما بالأهمية التي هي عليها الآن، خاصة في الوقت الذي تتحرك فيه منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية إلى الأمام. والأصدقاء الذين سينضمون إلينا سيكونوا شركائنا في النجاح، وسيرسلون إشارة إيجابية تعزز الثقة في كافة أرجاء العالم العربي.

وبإمكاننا معا أن نحقق استثمارات يستفيد منها الجميع من حيث توفير فرص العمل وتعزيز الثقة والنمو، وخلق الأجواء المناسبة لتوليد الفرص التي تؤتي مزيدا من الفرص وإنشاء الأسواق التي تصل إلى المزيد من الأسواق، وتوسيع الآفاق لكل من الشعب العربي والبريطاني على حد سواء، وتعميم السلام والتعاون في هذه المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، ومن بحر الشمال إلى البحر الأحمر وما وراء ذلك.

وختاما، أتمنى للجميع أن يلعب دورا رئيسيا في تحقيق ذلك.

وشكرا.