كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال الحفل الترحيبي بقداسة البابا بندكتوس السادس عشر

٨ أيار ٢٠٠٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب القداسة،

يشرفني أن أرحب بكم والوفد المرافق لكم هنا في الأردن. إنكم تستهلون بزيارتكم لنا رحلة تاريخية في القلب من أرض الإيمان للمسيحيين والمسلمين معا. هنا في الأردن، حيث وجد الإيمان بالله الواحد جذوره الأولى... هنا، بين أبناء الشعب الأردني، حيث الإيمان بالله في مركز الحياة ذاتها، نشرع أبوابنا لكم.

صاحب القداسة،

قبل تسع سنوات، في سنة يوبيل السلام، وقفت في هذا المكان لأحيي سلفكم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. وأكدنا معاً أهمية التعايش والتناغم بين المسلمين والمسيحيين. ومنذ ذلك الوقت، كشفت الأحداث التي جرت في العالم ضرورة تلك الدعوة وأهميتها. لقد أصبحت أصوات التحريض، والأيديولوجيات الطامحة إلى التقسيم تهدد بالتسبب بمعاناة أكبر. ولذا، ينبغي أن نتصدى لهذه الأصوات لنحمي مستقبل عالمنا. ويجب أن نجدد اليوم التزامنا معاً بقيم الاحترام المتبادل. ويجب أن نؤسس، هنا والآن، حواراً عالميا جديداًً، قوامه التفاهم والنوايا الطيبة.

ثمة أسس قوية للتناغم بيننا. فهناك على أحد المستويات، إنسانيتنا المشتركة التي تجمعنا في عالم مترابط. لكن هناك بيننا أيضاً، نحن المؤمنين بالله الواحد، أساس أكثر عمقاً للتفاهم يتمثل في الوصايا التي نصت عليها الكتب المقدسة، الإسلامية والمسيحية واليهودية: أن نحب الله تعالى، وأن يحب المرء جاره. إن هذه المبادىء تظل أساسية ومتلازمة. وكما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

أصدقائي،

يفتخر الأردن بأنه موطن رسالة عمان، التي تبيّن للإنسانية جمعاء دعوة الإسلام إلى التعاطف والرحمة والتسامح. وتؤكد رسالة عمان أيضا الدور الحيوي والإيجابي للأديان في صون الكرامة الإنسانية والتقدم. ونحن بحاجة الآن لهذا الدور أكثر من أي وقت مضى.

يؤمن الأردنيون بأن الإيمان يقترن بالمسؤولية، مسؤولية أن نعيش بسلام، وأن نساعد الفقير ونغيث المحتاج، وأن نرى العدالة تتحقق، ونمنح الأمل للأجيال الشابة. وهذا هو التزام بلدنا ومحور قيم مجتمعنا. إن أبناء شعبنا، مسيحيين ومسلمين، هم مواطنون متساوون أمام القانون، يشاركون جميعاً في بناء مستقبل بلدهم. يحكم الإيمان سلوكنا اليومي، ونتمسك بإرثنا الديني ونعلي من شأنه باعتباره وديعة مقدسة. وانطلاقا من تراث أسرتي الهاشمية، حرصت على الحفاظ على مواقعنا الدينية، وعلى الترحيب بالمؤمنين. وقريباً، في موقع المغطس المقدس، سوف يكون هناك مركز حج كاثوليكي، ستباركونه قداستكم، بتدشينه هذا الأسبوع.

إن ترحيبنا بالحجيج هو تعبير عن احترامنا ومساهمتنا في تعزيز القيم الإنسانية النبيلة. وقد عملنا أيضا على تعميق التفاهم الإسلامي- المسيحي، فأطلق الأردنيون مبادرة "كلمة سواء بيننا وبينكم"، ووقع على هذه الوثيقة مفكرون وقادة مسلمون من أنحاء العالم كافة.

صاحب القداسة،

إننا نرحب بالتزامكم بإزالة سوء الفهم والانقسامات التي ألحقت الضرر بالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين. لقد استقبلتم قداستكم بدفء زائريكم من المفكرين المسلمين وغيرهم. وفي المقابل، فإن زيارتكم التاريخية لمسجد الملك الحسين هذا الأسبوع، ولقاءكم علماء الإسلام، يحظيان بترحيب كل الأردنيين. وآمل بأن نستطيع معاً توسيع الحوار الذي بدأناه، حواراً يقبل بخصوصية هوياتنا الدينية، ولا يخاف من نور الحقيقة، حواراً يعظّم قيمنا وروابطنا المشتركة والعميقة.

أصدقائي، بالتزامنا وقيمنا المشتركة، نقدم خدمة جليلة للأرض المقدسة، حيث ينبغي أن نعمل معاً على إنهاء الصراع عبر التوصل من خلال المفاوضات إلى حل سلمي، يلبي حق الفلسطينيين في الحرية والدولة، وحق الإسرائيليين في الأمن.

وتظل القدس مركز اهتمامنا جميعاً. ويعرف الأردن والكنيسة الكاثوليكية شرف مسؤولية خدمة المواقع المقدسة في القدس الشريف ورعايتها. وعلينا حماية هذه الأماكن المقدسة والحفاظ على هوية القدس، التي يجب أن تظل حرية العبادة فيها مصونة لجميع المؤمنين.

دعونا نساعد، هنا وفي كل مكان، في إيجاد مناخ حقيقي للسلام، بحيث يمكن لكل عائلة أن تتمتع بنعمة الأمن، وبحيث لا يكون أي طفل ضحية للعنف والدمار، وبحيث تدرك كل المجتمعات جدوى التصالح، وبحيث يتحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال ومعاناته، ويمارس حقه بالعيش بحرية وكرامة.

صاحب القداسة،

خلال فترة إقامتكم بيننا، ستؤثر كلماتكم الحكيمة والطيبة في حياة الكثيرين، هنا في الأردن، وفي سائر المنطقة والعالم.

وفي الأيام القادمة، أتمنى أن نعمل معاً على تعميق العمل من أجل السلام الذي أوصانا به الله سبحانه وتعالى وتكريسه. وبكل هذه الآمال الكبيرة، نرحب بقداستكم في هذا اليوم، ونتمنى لكم طيب الإقامة في الأردن.