رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني الى الملتقى السنوي للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية لعام 2005

٣ أيلول ٢٠٠٥

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات:

يشرفني أن أُتيحت لي هذه الفرصة للتحدّث الى الملتقى السنوي الثاني والأربعين للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية.

فأنتم تجتمعون في مرحلة تاريخية حاسمة، تشكّل مفصلاً للمجتمع الإسلامي العالمي بمجملة. فنحن معاً نجابه خيارات دقيقة صعبة خطرة. ومعاً علينا أن نجد المسار الصحيح. وسواء كنا عرباً او امريكيين او فرسا او اتراكاً او مواطنين من شبه القاره الهندية او اندونيسيين او ماليزيين او افريقيين او اوروبيين او صينيين او مواطنين من أي بلد آخر، فقد حان الوقت لنا كي نعود الى تعاليم الإسلام الأصيلة؛ وحان الوقت لتطبيق المبادئ التي انزلها الباري جلّت قدرته على النبيّ الأمين محمد عليه الصلاة والسلام، على القضايا التي نواجهها في ايامنا هذه.

إن مجتمع المسلمين في أمريكا يقدّم لنا مثالا فريدا على الكيفية التي يمكن للمسلمين في أرجاء العالم اعتمادها للتعاضد والتآلف. فبينكم المسلمون من كل بلد. وفي الواقع، ربما كان المكان الآخر الوحيد الذي نشهد فيه مثل هذا التنوع في المجتمع الإسلامي هو الموسم السنوي للحج في مكة المكرمة. وهذه إشارة يجب أن نتأمل فيها جميعاً، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".

ونحن نعمل في الأردن مع المجتمع الإسلامي العالمي يداً بيد في النضال الجاري للتصدي للتفسيرات المتطرفة للإسلام. فأكبر أعداء الإسلام هم أولئك الذين يشوّهون التعاليم التي انعم بها علينا الله تبارك وتعالى ونبيّه محمد عليه الصلاة والسلام. وقد حان الوقت لنقف معاً، وان نؤكد ثانية ما قاله أعظم العلماء في تاريخنا: وهو عدم جواز تكفير المسلم لأخيه المسلم. فنحن مسلمون مهما تعددت انتماءاتنا المذهبية ما بين المذاهب العظيمة الثمانية- سواء أكنا حنفية أو مالكية أو شافعية أو حنابلة أو جعفرية أو زيدية أو اباضية أو ومن أهل الظاهر. وكل مسلم: حياته وشرفه وملكه محرمات على الآخرين لا يجوز أن تمس.

وقد أكد هذه المبادئ ما يزيد على مائة وثمانين من كبار العلماء من أرجاء العالم، في اجتماعهم الذي عقد في الأردن في تموز الماضي وهؤلاء العلماء وفدوا من 45 بلداً، وكانوا يمثلون جميع المذاهب السنية والشيعية والاباضية في الإسلام - وجميع الفرق الإسلامية، بما فيها الصوفية، كما اتخذ العلماء أيضا خطوة هامة عندما أعادوا تأكيد المؤهلات التقليدية الواجب توافرها فيمن يتصدى للفتوى. فقد استمعنا جميعا إلى متطرفين يحاولون تبرير أجنداتهم السياسية بإصدار فتاوي باطلة. إن مثل هؤلاء يشوهون الإسلام ومسوؤليتنا أمام الله تعالى وأمام رسوله الكريم وأمام إخوتنا من بني البشر أن ندين أولئك الذين يخرجون عن التقاليد الإسلامية العريقة. وإذا ما تمسكنا بالصمت، نكون شركاء فيما يقترفون من ذنوب.

ليس هناك ما يبرر قتل الأبرياء من أي دين أو جنسية كانوا مهما كانت الاهانات أو الإساءات التي تعرض لها المسلمون، وطريقنا هو أن نتبع ما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام. فحتى لو أسيء إلينا أو ظلمنا، علينا أن نتذكر أن الله تبارك وتعالى أمرنا في كتابه العزيز قائلاً: "ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على ألاثم والعدوان".

كما قال تعالى:

"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط؛ ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو اقرب للتقوى".

إن نشر رسالة التسامح والوئام هذه جزء من دورنا في العالم، ليس بين المسلمين فحسب، بل بين جميع بني البشر. وبهذا النهج وحده تتحقق العدالة الحقيقية ويتحقق السلام الذي ينبثق من العدالة.

لقد أنهى إلينا النبي عليه الصلاة والسلام، انه "لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وآمل أن تواصلوا جميعاً العمل مع مواطنيكم الأمريكيين، مستخدمين القنوات المتوافرة لديكم في مثل هذا المجتمع الحر المفتوح - المجتمع الذي يتمتع فيه المسلمون بحق ممارسة شعائر دينهم بصورة قانونية - لإظهار جميع هذه التعاليم التي جاء بها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وتأصيلها كي يعم خيرها الجميع.

بارك الله فيكم جميعاً. ان امتنا تعلق الكثير من امالها، بعد الله تبارك اسمه، عليكم.

والشكر لكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركات.