خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في منتدى الاستثمار الأردني-البرازيلي

٢٤ تشرين أول ٢٠٠٨

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الشكر لكم جميعا. كما يسعدني أن أساهم في افتتاح هذا الحدث الهام حيث يجتمع اليوم أرباب القطاع الخاص البرازيلي ... إضافة إلى القادة من الحكومة، ووسائل الإعلام، وغيرها. ولهذا، إسمحوا لي أن أرحّب بكم جميعاً أجمل ترحيب.

السيد سركيس، اسمحوا لي أن أعرب عن شكري الخاص لكم ولفريقكم في غرفة التجارة العربية – البرازيلية. فالغرفة تمثل أكبر جالية عربية في أمريكا اللاتينيّة... وهي واحدة من أكثر الجاليات حيويةً في العالم. ويشرفني أن أشترك معكم جميعاً في هذه المناسبة.

أصدقائي،

إن هذه هي زيارتي الأولى لبلدكم... وآمل أن تكون الأولى ضمن سلسلة من زيارات عديدة. ففي الأردن، تحظى البرازيل باحترام عظيم... كقوّة في الاقتصاد العالمي الجديد... وكأنموذج يُحْتذى في الانسجام بين الثقافات المتعددة... وكقوة لتطوير العالم النامي. وبالنسبة لي، فإن إحدى أهم إسهامات البرازيل وأكثرها تأثيراً هي الرسالة التي تبعث بها للدول الأخرى الآخذة بالنمو... رسالة حول الشراكة بين الجنوب – والجنوب، ودورها الحيوي الرئيسي في تشكيل المستقبل.

وعلى مدى عقود، وحتى لمدة أطول من ذلك، كانت الحكمة السائدة هي أن العالم الصناعي المتقدم هو الذي يُحدّد خُطى ومسار الاقتصاد العالمي. والاتجاهات المتجذرة في الاقتصادات الصناعية المتقدمة حملت معها الفرص، ولكنها حملت أيضاً التحديات. والآن نرى أن الأزمات المترابطة، في شؤون المال، والطاقة والغذاء، تهز المشهد الاقتصادي في أرجاء المعمورة.

ولكن الاقتصاد العالمي الجديد جلب معه شيئاً آخر، شيئاً استثنائي. ألا وهو الدور الجديد غير المسبوق للاقتصادات النامية والناشئة. ومع الأسواق المتوسعة والإصلاحات الاقتصادية الفعّالة، بدأت مجموعتنا في تحديد الخُطى في مسيرة التجارة والنمو الاقتصادي العالميين. وقد بدأ العديد من مشروعات الأعمال في بلادنا بالظهور على صورة شركات كبيرة متعددة الجنسيات. وما هو أكثر من ذلك، هو أن نشاطنا الاقتصادي بدأ يأخذ مكانه بصورة متزايدة في العالم النامي نفسه. ومع أن التجارة العالمية زادت بسرعة، إلا أن التجارة بين الجنوب والجنوب زادت بسرعة أكبر. وهناك حصة متنامية من الاستثمار الخارجي من الاقتصادات النامية يجري استثمارها في البلدان النامية الأخرى.

ومثل هذا التعاون حيوي لأنه وبالرغم من جميع المكاسب، مازال عالمنا يواجه ثغرات واسعة في الثروة العالمية والفرص الاقتصادية المتاحة. ومازالت الدول الصناعية المتقدمة تمسك بزمام الحصص المُسيطرة على التجارة والاستثمار العالميين. وخلاصة الأمر هو أن العديد من الناس، في جميع القارّات، مازالوا ينتظرون تحقيق الوعد الذي تحمله الفرص العالمية المتاحة.

وبالنسبة لبلداننا في الجنوب، يعتمد المستقبل على ما نفعله الآن، لاحتواء أولئك الذين استبعدوا... ولخلق الفرص للمجموعات السكانية الشابة المتنامية لدينا... ولنأخذ مكانتنا التي نستحقها في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.

وأنا أؤمن أنه يمكن لبلادنا أن تحقق النجاح. فنحن على طريق التقدّم إلى الأمام. ولدينا المعرفة. ولدينا الموهبة. ولكننا لا نستطيع أن نحقق النجاح في عُزْلة. لذا، علينا العمل كشركاء وأن نكون فاعلين من البداية.

وهذا يعني مستوىً جديداً من التعاون بيننا. فنحن بحاجة إلى تحالفات جديدة من أجل التنمية. وقد لعبت البرازيل دوراً ملحوظاً في بناء الروابط بين الجنوب والجنوب. وعقد هنا، في برازيليا، قبل ثلاث سنوات، أول مؤتمر قمة جمع بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية.

كما وفرت البرازيل دعماً رحبنا به لاتفاقية التعاون بين الأردن وميركوسور، وهي تحدّد بصورة رسمية نـيّة الجانبين في إقامة اتفاقية تجارة حرّة. وآمل أن نتمكن من اتخاذ الخطوة التالية نحو عقد اتفاقية تجارة حرّة قريباً.

إن للقطاع الخاص دوره المميز في الروابط ما بين الجنوب والجنوب. وفي أحيان كثيرة، تكون لديكم أعظم الفرص لتصميم الشراكات الفاعلة التي تفيد الجانبين. وهذا الجهد يأخذ مجراه حالياً. واليوم، ستوقع اتفاقية تعاون بين غرفة التجارة العربية البرازيلية ونظيرتها الأردنية. وفي كانون الأول القادم، سيعقد قادة القطاع الخاص محادثات في اجتماعات جانبية في القمة العربية – الأمريكية. ومن الضروري دعم هذه الارتباطات. وأملي هو أن يساعد هذا المنتدى على إيجاد المزيد من هذه الفرص.

أصدقائي،

إن الأردن ملتزم، لا بشراكتنا الرسمية مع البرازيل فحسب، بل أيضاً بالروابط الحيوية الأساسية التي يعقدها القطاع الخاص والتي يمكن أن تعطي للنمو الاقتصادي لدى الجانبين دفعة إلى الأمام. وهذا يبدأ باستراتيجية وطنية قوية تشجّع الأعمال والاستثمار. وقد عملت القوانين التي تمكّن من القيام بهذه الأعمال وسياسات الشفافية على إيجاد ظروف إيجابية للاستثمار. وساعدنا الانضباطُ المالي، كما ساعدتنا السياسات الاقتصادية السليمة، على أن نخفض بصورة ملحوظة الدَين الخارجي. وقد تضاعف احتياطي النقد الأجنبي ثلاث مرات منذ عام 1999. وحوالي 90% من الشركات المملوكة للحكومة تمّت خصخصتها، والهدف الذي نسعى إليه هو الخصخصة بنسبة مائة في المائة. ويجري الآن كذلك توجيه الاستثمار العام بحرص نحو التنمية المستدامة... والأدوات التي يحتاجها شعبنا للتمتع بحياة منتجة مزدهرة.

إن الأولوية بالنسبة لنا هي قاعدة الموارد البشرية في الأردن. ونحن نسعى لتعزيز إمكانيات ومهارات جيل الشباب لدينا، لضمان تأمين أرباب العمل بالقوى العاملة المؤهلة والمدربة. كما عملنا أيضاً على الاستفادة من موقعنا الفريد كمعبر إقليمي وعالمي. وهناك خطة جديدة طموحة للبُنى التحتية، ستضمن إيجاد شبكة نقل حديثة وروابط اتصال جديدة.

وقد أقمنا مناطق اقتصادية وتنموية خاصة في ميناء العقبة البحري وفي أرجاء البلاد. وهناك شبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرّة توفر لنا إمكانية الوصول إلى المستهلكين في أوروبا وسنغافورة وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها.

وهذه ليست إلا بعض الأمثلة على الاستراتيجية الاقتصادية للأردن. ويسعدني أن أنقل إليكم أنها بدأت تعطي بالفعل نتائج إيجابية. وأرى أن هذا التقدّم ليس إلا بداية. وفي الوقت ذاته، فإننا نتطلع إلى الأمام، وقد بدأنا العمل في الإعداد للتحدّيات المستقبلية. ولدينا مبادرات قائمة لتطوير وإدارة الموارد المائية المحدودة. وحتى قبل ظهور أزمة أسعار الطاقة العالمية، بدأنا البحث عن مصادر جديدة للطاقة، بما فيها الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية. وآمل في مقبل الأيام أن نتطلع إلى الاستفادة من تجربة البرازيل في مجال الطاقة البديلة والمتجددة.

أصدقائي،

إن الأردن كان على المدى موطن الاعتدال والتقدّم... وصوتاً للسلام والتكامل الإقليميين... ورائداً للحوار والاحترام على مستوى العالم. وهذا كله، إضافة إلى ما ينعم به الأردن من استقرار قوي، يجعل منه مكاناً عظيماً لممارسة الأعمال على المستوى العالمي.

لقد حان الوقت لبناء شراكتنا. وفي الواقع فإن التعاون مستمر في قطاع الطاقة حيث ستقوم شركة بتروبراس بإجراء دراسة جدوى لاستكشاف الصخر الزيتي في الأردن، وهناك فرصة لتبادل الخبرات والاستثمار في قطاع الطاقة البديلة. ومن قلب تاريخنا الديني المُشترك، فإن صناعة السياحة في الأردن، يمكن أن تفتح الأبواب للبرازيليين، لزيارة المواقع القديمة والتراثية.

وآمل أن تتمكنوا اليوم، وفي الأسابيع القادمة، من استكشاف هذه الفرص وشراكات أخرى مع الأردن – في التعدين، والنقل، وصناعة الأدوية، والسياحة العلاجية، وصناعات النبى التحتية، وغيرها.

ومرة ثانية، أشكركم على مشاركتكم في المنتدى الذي عقد اليوم. فليس هناك عمل أهم مما تقومون به.

وأتمنى لكم النجاح في عملكم.