خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة الدولي للأمم المتحدة لعام 2005

١٦ أيلول ٢٠٠٥

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب الفخامة والسعادة،

قبل خمس سنوات، اجتمع قادة العالم هنا لإعلان رؤية جديدة لعصر جديد. وكان مؤتمر قمة الألفية تجاوباً مع توافق أخلاقي عالمي: مؤاده أن عالمنا لا يمكنه بعد اليوم إنكار أساسيات الحياة، والسلام لبلايين الناس.

وبعد مرور خمس سنوات، من الواضح أن ما قمنا به لم يكن قبل أوانه، بل جاء في وقته تماماً. إذ شهدت الإنسانية مخاطر نظام عالمي يستبعد الناس- وخاصة الشباب- من الفرص والأمل.

وشعوب العالم تتطلع إلينا الآن لنجمع شمل بلداننا معاً ولننهض إلى العمل بإلحاح، ونعمل على تحقيق نتائج ملموسة.

ويشرفني أن أنقل إليكم أن الأردن أحرز تقدّماً ملموساً نحو تحقيق غالبية أهداف قمة الألفية التنموية. إن التحديات حقيقية وهناك الكثير مما يتوجب عمله، ومع هذا فقد تحققت مكاسب في مجالات خفض الفقر والصحة والتربية والتعليم والمساواة بين الجنسين ومجال البيئة وأكثر من ذلك.

إن هذا ليس إلا جزءًا من استراتيجيتنا الوطنية الأوسع نطاقاً. وهو نهج شمولي لتحقيق الإصلاح والتنمية. ومع ذلك فإننا لا نعمل في فراغ. فبلدنا، ومنطقتنا، والعالم يتأثرون بإمكانيات إحلال السلام.

إن الخطوة الرئيسية ذات الأهمية البالغة هي أن نضمن عدم التسامح مع من يروج للإرهاب. وفي هذا الإطار، عمل الأردن مع المجتمع الإسلامي العالمي لمناهضة التفسيرات المتطرفة للإسلام. كما انه يسعى لإحلال الإسلام الحقيقي التقليدي المعتدل محل الإسلام الأصولي المتطرف في كل مكان في العالم، لدى كلّ مسلم.

لقد أطلقنا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2004 رسالة عمّان، التي سعت إلى توضيح طبيعة الإسلام الحقيقية - ما هي عليه، وما ليس فيها. ومن ثمَّ، وفي تموز/يوليو الماضي، اجتمع ما يزيد على 180 عالماً في عمّان، يمثلون 45 بلداً، وتدعمهم 17 فتوى من أكبر العلماء المسلمين في العالم. وتوصلوا معاً، ولأول مرة في التاريخ، إلى توافق إجماعي على عددٍ من القضايا الرئيسية البالغة الأهمية.

فقد اعترف البيان الصادر عن المؤتمر في المقام الأول بشرعية المذاهب الإسلامية التقليدية الثمانية ومبادئها المشتركة، وحدّد البيان، في المقام الثاني، المؤهلات الضرورية والشروط الواجب توافرها فيمن يتقدم للإفتاء. وهذا، في حدّ ذاته، يكشف عدم شرعية ما يسمّى بالفتاوى التي يستخدمها المتطرفون لتبرير الإرهاب. لأن مثل هذه الفتاوى تنتهك الفقه التقليدي للمذاهب وتعتبر مخالفة صريحة لمبادئ الإسلام الرئيسية. كما أدان البيان، في المقام الثالث، الممارسة التي تسمّى بالتكفير، وهي ممارسة يستعملها المتطرفون لتبرير العنف ضد من لا يتفق معهم.

وحتى ونحن نعمل من أجل السلام، لا بدَّ للتنمية أن تمضي قُدُماً. ومن الأهمية بمكان في هذا الجهد العمل لتحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية التي أقرتها قمة الألفية: وهي الشراكة العالمية.

فعندما تلتزم الدول المتقدمة بالدعم النشط المتزايد للتنمية، فإنها تساعد في دفع عجلة التنمية للجميع. ويعرف العالم ما هو المطلوب: تجارة عادلة، ومساعدات مباشرة متزايدة، وخفض الديون. وقد كان اتفاق الدول الصناعية الكبرى الثمانية أخيراً على خفض الديون للبلدان الأشد فقراً خطوة إيجابية. كما وضع الاتحاد الأوروبي روزنامة بالمساعدات المتزايدة التي سيقدمها. وعلينا أن نواصل هذه الجهود ونوسع نطاقها.

وهذا الجهد بالغ الأهمية فيما يتصل بتلك المجموعة الرئيسية من البلدان ذات الدخل المتوسط في الحدود الدنيا والدخل المتوسط. فبلادنا لها دور رئيسي في الاستقرار الإقليمي والعالمي. والكثير من بلداننا انطلقت بكامل طاقتها على طريق الإصلاح، وهي على وشك الوصول إلى مستويات دخل أعلى. ولا يمكن ترجمة هذا النجاح إلى مكاسب تنموية حقيقة إلا إذا تمت العناية به وإدامته. وتقوم مجموعة من القادة من أهل العزم والتصميم، ومعظمهم من البلدان ذات الدخل المتوسط، بمناقشة الاهتمامات والهموم المشتركة - والتي تتمثل في التجارة الحرة العادلة، والمساعدات الموجهة، وغير ذلك الكثير. وقد اتفقنا على مواصلة مناقشاتنا حول سُبُل الوصول إلى اتفاق مع البلدان المتقدمة.

إن مؤتمر القمة الدولي هذا يبين أن عالمنا عالم اعتماد مشترك - وفرص مشتركة. ولدينا مهمة استراتيجية وأخلاقية أيضاً. وبمقدورنا الآن أن نبرهن لشعوب العالم، وخاصة لشبابنا، بأن مؤسساتنا الدولية تعمل - وأن العدالة الدولية حقيقية.

والشكر لكم اجزله.