خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر الحائزين على جائزة نوبل
بسم الله الرحمن الرحيم
إسمحوا لي في البداية أن أشكركم جزيل الشكر. كما يسعدني ويشرفني أن أرحب بكم جميعاً في مؤتمر البتراء الرابع للحائزين على جائزة نوبل. إيلي، أشكرك بصورة خاصة، لما تبذله من جهد في إدامة هذا الحوار الهام.
وآمل أن تشاركوني جميعاً في الترحيب بصورة خاصة بالشابات والشباب الذين انضموا إلينا اليوم.
فهؤلاء الشابات والشباب المتميزين يمثلون أكبر تجمع شبابي في تاريخ الشرق الأوسط. وفي الواقع - ونظراً لحقيقة أن نصف سكان المنطقة هم دون سن الثامنة عشرة - فإن الطلاب الذين يشاركون معنا اليوم سيغدون وبسرعة الجيل الأكبر سناً في المنطقة.
ويقال إن الشباب هم المستقبل. والشباب الذين نراهم معنا اليوم، وأقرانهم في أرجاء الشرق الأوسط، يذكروننا بأن المستقبل يتمثل في هذه اللحظة. فجيلهم يواجه تحديات لا تحتمل الانتظار. ونحن بحاجة إلى دعمهم بكل وسيلة ممكنة حتى نعدهم للقيادة، وحتى نوفر لهم الفرص للتميز، وحتى نمهد لهم الطريق للمشاركة في مسيرة التقدم العالمي.
وعلينا أن نتذكر أن شباب هذه المنطقة، وشباب العالم، هم السبب في وجودنا هنا اليوم.
أصدقائي،
لقد بدأت مؤتمرات البتراء عام 2005 بإحساس عميق بالأخطار التي تواجهها هذه المنطقة. واليوم فما زالت هذه الأخطار التي لم يسبق لها مثيل قائمة. والبيئة الأمنية تخضع لحصار من قِبَل أولئك الذين يسعون إلى إطالة أمد النزاع وترسيخ الانقسام بين الشعوب. فالتطرف يتغذى على العنف والإحباط. وإذا لم يتم إيقاف هذه التوجهات، فإن خطرها لن يقتصر على تهديد استقرار المنطقة والتنمية فيها، بل سيمتد ليشمل الأمن على مستوى العالم أيضاً.
على الشرق الأوسط أن يخرج من دائرة الخطر هذه. والخطوة الأهم في هذا الاتجاه هي تحقيق السلام من خلال إيجاد تسويةً شاملة للنزاع العربي - الإسرائيلي. كما سيكون من الخطأ الكبير تفويت الفرص المتاحة هذا العام لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، مستقلة وقابلة للحياة إلى جانب إسرائيل آمنة ومعترف بها في منطقة موحدة تنعم بالسلام. لذلك، فإن العمل باتجاه تحقيق السلام والتقدم، يجب أن يحظى بدعمنا بصورة كاملة.
لكن العملية السياسية العالمية ليست المنبر الوحيد للتغيير. ففي الوقت الذي تركز فيه العناوين الرئيسية للأخبار في أيامنا هذه على النزاع والجدال، يبقى الجانب الفعلي الجدير باهتمامنا هو الحاجة إلى تغيير حياة الناس على الأرض.
إن ملايين الناس، في جميع أرجاء الأردن وفي مختلف أنحاء المنطقة، يتطلعون ليكونوا جزءاً من شرق أوسط مستقر ومعتدل. وبعد أن تغدو نزاعات اليوم حدثاً تاريخياً مرّ عليه الزمن، ستتشكل حياتهم وفق ما نفعله هذا العام لبناء الأساس الذي يقوم عليه النجاح في المنطقة.
وهذا كله يبدأ من التعاون عبر الحدود في التصدي للتحديات المشتركة من تحقيق النمو الاقتصادي ومعالجة القضايا البيئية وضمان الحصول على الموارد التي نحتاجها. كما يشمل تحسين الظروف المعيشية من المجتمعات الصحراوية إلى المدن الحضرية المُكتظة ورفع الدَخل وخلق فرصٍ تتسع وتكبر. ويشمل كذلك تمكين الشباب ومنحهم الثقة التي يحتاجونها، إذا ما أردنا لهم أن يكونوا مَعنيين بالسلام والتقدم والكثير غيره.
كما يبدأ هذا الأمر بقيادةٍ تنبع من داخل المنطقة. فالعالم الأوسع له مصلحة محورية أساسية في دعم التغيير الإيجابي. وليس هناك مجموعة يمكنها أن تقدم إسهاماً في هذا الشأن أقوى من إسهامكم أنتم هنا اليوم.
لقد جاء مؤتمر البتراء ليجمع ما بين أفضل العقول في العالم والأكثر نجاحاً بين أولئك الذين يحققون الإنجازات. دعونا ننظر يميناً ويساراً، وسنرى قادةً ممن غيّروا العالم من مؤسسي شركات تعمل على خلق فرصٍ عالمية مرورا بخبراء قادوا عملية التنمية وعلماء متخصصين في العلوم البحته وصولا إلى أهل العلم وكتّاب وفنانين وسّعوا آفاق المعرفة الإنسانية لتتجاوز كثيراً ما حلمنا به قبل عقود قليلة فقط.
إنني أرى في كل هذه الخبرة مصدرا لقوّتكمَ. فاجتماعاتكم يمكن لها أن تنهل من نظرات ثاقبة متعددة، وتؤطر القضايا بطرق جديدة، وتجد مقاربات إبداعية خلاقة. إن قدرتكم على توجيه الأسئلة الصحيحة وتحديد ما الذي سيُكتب له أن ينجح وما الذي سيُكتب له أن يخفق يمكنها أن تساعد على اجتياز الاستراتيجيات الفاشلة في مجال السياسات والعمل على إحداث تقدم في الاستراتيجيات الناجحة. والمبادرات التي تخلقونها هنا يمكنها أن تنشر تأثيرها في دوائر أكبر وأكثر اتساعاً، في المنطقة والعالم. وإنجازاتكم الماضية ستبين للناس الطريق إلى النجاح، أما مساركم فقوامه العمل الجاد والعاطفة الخلاقة وخدمة العالم. وأنموذج النجاح هذا هو أقوى رد على أولئك الذين يُنذرون بالدمار والعزلة ويبثون روح السخرية.
إن روح البتراء تتبلور في صندوق دعم المشاريع العلمية الذي سيبدأ عمله هذا العام. وسيلبي الصندوق حاجة أساسية هامة للعالم النامي من خلال العمل على تطور نمو المعرفة العلمية المتقدمة وانتشارها، خاصة حول القضايا العملية التي تحظى بالاهتمام الأكبر بالنسبة لمستقبل منطقتنا في مجالات الطاقة والمياه والبيئة والتكنولوجيا الجديدة.
ان املي كبير في أن يعمل مؤتمر هذا العام على توفير الفرص للنظر في مجالات مُحددة أخرى نحن بحاجة إليها، وعلى تطوير الآليات العملية الإبداعية التي ستخلق التغيير.
- أما الأسئلة لهذا فتتمثل في كيفية أن ننمي اقتصادات توسع إمكانية التوصل إلى الازدهار؟
- وهل هناك وسائل أفضل لإدارة الموارد الطبيعية الشحيحة؛ وضمان إمكانية الوصول إلى الغذاء؟
- وبعد عقود من الانتصارات الطبية، فما الذي يمكننا القيام به لتوفير الرعاية الصحية بكُلفة يمكن للمواطن أن يتحملها؟
- وما هي الخطوات العملية التي يمكننا اتخاذها لتوسيع حوار الاحترام، وتعزيز مجالات التعاون، بين الشعوب والمناطق المنقسمة على نفسها؟
أصدقائي،
إن تاريخ الأفكار مليء بالقصص التي تتحدث عن كيفية التوصل إلى الاكتشافات الكبرى من اتجاهات مختلفة. ففي ذروة احتدام الحرب الباردة، عمل عالما اقتصاد، أمريكي وسوفييتي، بصورة مستقلة، وأهّلهما عملهما للفوز بجائزة نوبل. وعلى مدى آلاف السنين، بَنَت كل من الحضارات الثلاث: الآسيوية، والعربية، والأوروبية، على التقدم الذي حققته تلك الحضارات لخلق المعرفة العالمية التي نشهدها اليوم.
إن مؤتمر البتراء هو المكان الذي نأمل أن تلتقي فيه العقول العظيمة وأن يؤدي تلاقيها إلى ظهور أفكار خلاقة. ولكن علينا أن نتذكر أنه ليس لدينا آلاف السنين للرد على المخاطر ومجابهتها. ولذا، فعلينا أن نجد الإجابات الآن.
وعلى مدى اليومين القادمين، ستتاح لكم الفرصة للتأثير في حياة الآخرين، وخاصة حياة الشباب. وأثناء المداولات التي ستجرونها في اجتماعاتكم، آمل أن تتحدثوا مع الشباب والشابات الذين يشاركون في هذا المؤتمر، وأن تستمعوا إليهم. فما تقومون به هنا يمكن أن يحول مستقبلهم وينقله إلى وضع أفضل، مثلما عملتم فعلاً على تحويل عالمنا.
وأتمنى لكم كل النجاح والتوفيق.
وأشكركم شكراً جزيلاً.