خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجمعية العامة الحادية والستّين للأمم المتحدة

١٩ أيلول ٢٠٠٦

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدة رئيسة الدورة الحادية والستين للجمعية العامة، سمو الشيخة هيا راشد آل خليفة،

أعضاء الجمعية العامة،

سمو الشيخة هيا، اسمحي لي أن أعرب لك عن أحرّ التهاني، بانتخابك رئيسة للجمعية العامة.

اسمحي لي أيضا أن أتقدم بكلمات أعرب فيها عن امتناننا للأمين العام السيد كوفي أنان وإعجابنا به. فالأردن يحيّي التقدّم الذي أُحْرِز في عملية إصلاح الأمم المتحدة خلال تولّي السيد كوفي عنان منصبه أميناً عاماً لهذه المنظمة. ونرحّب بصورة خاصة بإنشاء مجلس حقوق الإنسان ولجنة بناء السلام مؤخرا.

أصدقائي،

أقف أمامكم اليوم يغمرني شعور عميق بأنَّ ما نحن بصدده مُلِحّ لا يحتمل الانتظار. فنهوض المجتمع الدولي للعمل بصورة حاسمة من أجل السلام في منطقتنا، لم يكن يوماً أَهمّ ممّا هو عليه الآن.

فالأزمة التي شهدها الشرق الأوسط مؤخرا، أزمةٌ لجميع الأمم. ولن يكون هناك نظام عالمي عادل عندما يُسمح للعدوان والاحتلال أن يحلاّ محلّ القانون الدولي. وعندما يحدث هذان في منطقة بمثل القيمة الاستراتيجية للشرق الأوسط، فإن صداها يعمّ العَالَمَ كلّه. إن شبابنا يتساءلون، أين عدالة المجتمع الدولي، وأين إرادته؟ وعلينا أن نقدّم لهم جواباً، بأن نقيم سلاماً دائماً مستنداً إلى الشرعية الدولية التي تعهدنا باحترامها والتمسّك بها.

وهذا يعني تركيزاً جديداً على المشكلة الرئيسية الأساسية. فالأزمات المعاصرة في المنطقة هي نِتاج الظلم الذي يشعر بها الناس في جميع أرجاء الشرق الأوسط، وفي العالم كله أيضا. وهذا الظلم، ببساطة ووضوح، هو الاحتلال الإسرائيلي، وإنكار الحقوق الفلسطينية على مدى عقود عديدة،. وما لم نصحح هذا الخطأ وننهيه، فإنه سيفرخ نزاعات جديدة سنة بعد سنة.

لقد تكررت مناقشة النزاع في الشرق الأوسط في هذه المنظمة. وقد تكرّر إيضاح موقف المنظمة، وإعلانه، من خلال إصدار قرارات تدين العدوان والاحتلال؛ وتؤكد حق تقرير المصير للفلسطينيين؛ وتدعم عمليةٍ السلام. ومع ذلك، فإن كلَّ عام مرَّ بدون إحْراز تقدّم جلب لنا أزمة جديدة، ومزيدا من المُعاناة، ومزيدا من الفُرقة. وقد حان الوقت لاتخاذ مسارٍ أفضل.

علينا، بالطبع، أن نسْتجيب على الفور لمساعدة أولئك الذين يعانون الدمار الرهيب الذي يخلّفه النزاع. وفي لبنان، علينا أن نضمن أن الحكومة ستتمكن من مدّ سيادتها وسيطرتها على الأراضي اللبنانية كافة. وعلى العالم العربي والمجتمع الدولي أن يبذلا أقصى الجهود لدعم إعادة الإعمار والتنمية.

إن هذه إجراءات أساسية. ولكنها في الشرق الأوسط لا يمكن أن تكون إلا إجراءات جزئية؛ ولا يمكننا التوصّل إلى حلّ للنزاع العربي - الإسرائيلي إلا بالتصدّي لأساس المشكلة وجوهرها؛ وهو إعادة الحقوق الفلسطينية المعترف بها دولياً.

في عام 2002، فتحت الدول العربية الاثنتان والعشرون- باتفاق نال الإجماع - الطريق، بعرض للسلام اعتبر حدثاً بارزاً في حينه. ورؤيتنا والتزامنا يتمثلان في دولة فلسطينية مستقلة، قابلة للحياة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل آمنة. وبموجب مبادرة السلام العربية، سيتم ضمان أمن إسرائيل، وإنهاء احتلال فلسطين، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.

إنَّ الأحداث تُظْهر بوضوح أنه لا يمكن أن يكون هناك حلّ أُحادي الجانب للنزاع. فلا بدَّ من وجود شراكة حقيقية بين جميع الأطراف، في سياق الشرعية والعدالة الدوليتين. p

إن مثل هذه الشراكة العالمية من أجل السلام ترتبط بصورة مباشرة بالشراكة العالمية من أجل التنمية. ففي أرجاء العَالَم، تمضي الدول التي تنعُم بالسلام قُدُماً في مجالي النمو الاقتصادي والتنمية: مستثمرة في التعليم، وبناء المجتمعات والمساعدة في تشكيل مستقبل العالم. ولا يمكن لدولةٍ أن تنجح في إطار العزلة. ويجب أن تتمكن جميع الدول، وأن يتمكن جميع الناس- وشبابنا بشكل خاص - من المشاركة في مستقبل واعد.

علينا أن نجعل السلام أولوية. وعلينا أن نقوم بهذا الآن. وليس هناك دورة لهذه المنظمة العظيمة يمكن أن تقدّم إسهاماً في صُنْع مستقبل تظلله العدالة والأمل، أعظم من الإسهام الذي يمكن لهذه الدورة أن تقدّمه.