خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجمعية البرلمانية الأورومتوسطية

١١ تشرين أول ٢٠٠٨

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب المعالي والسعادة،

النوّاب الأفاضل،

أشكركم على ترحيبكم الحار، ويشرفني أن أتحدث أمام هذه الجمعية المتميزة اليوم، وأن أرحب بكم أجمل ترحيب في الأردن، باسم صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله.

السيد الرئيس بوترنج والسيد رئيس مجلس النوّاب عبد الهادي المجالي، إسمحوا لي أن أعرب لكما ولإعضاء مكتب الجمعية البرلمانية الأورومتوسطية عن عميق الشكر على الجهود التي بذلت في تنظيم هذا التجمّع الهام للبرلمانيين من جانبي البحر الأبيض المتوسط.

أصحاب المعالي والسعادة،

النوّاب المحترمون،

في كانون الأول الماضي، خاطب جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله، البرلمان الأوروبي في ستراسبورج، متحدثا عن رؤيته لمستقبل الشرق الأوسط وعلاقته بأوروبا.

وقال جلالته حينها: "اليوم يمكننا أن نفكر في جوارٍ أوسع، جوارٍ يمتد من شمال بحر البلطيق إلى جنوب البحر الأبيض المتوسط؛ جوارٍ تشترك فيه أوروبا والشرق الأوسط. وهو الأساس للشراكة الأورومتوسطية، ومنبر التواصل من منطقة إلى منطقة من أجل تعزيز التعاون والتنمية. وهو عنوان علاقة أساسها المصالح المشتركة والإمكانات التي لا حدود لها. وبالتالي، فإن الأمر يعود لنا لتطوير شراكتنا إلى أقصى مداها".

إن هذه الرؤية هي نفسها التي يشترك فيها العديد من المسؤولين في أوروبا حيث اتخذت بلدان أوروبا والبحر الأبيض المتوسط في تموز خطوة جريئة نحو تطوير هذه الشراكة، فكان إنطلاق الاتحاد من أجل المتوسط في وقت مبكر من هذا العام، وما أتاحه هذا الأمر لشعوب القارتين من فرصة للتعاون بأبعادها التاريخية الهامة.

وبالنيابة عن جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله، والشعب الأردني، إسمحوا لي أن أعرب عن جزيل الشكر لكم، أعضاء الجمعية البرلمانية الأورومتوسطية، على دعمكم الموصول لإطلاق مرحلة جديدة في العلاقات الأورومتوسطية. هذا ويتطلع الأردن قُدُماً إلى ترجمة هذه المبادرة القيّمة بالمشاركة مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى نتائج ملموسة تجني ثمارها شعوبنا.

أصدقائي،

إن منطقة البحر الأبيض المتوسط، بحاجة فعلية اليوم إلى جهد مشترك لمجابهة التحديات التي تعترض طريق التنمية، وخاصة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذه التحدّيات تتجلى في مجالات أساسية حيوية مثل المياه، والبُنى التحتية، والطاقة. فاليوم، نجد أن احتياجاتنا من الطاقة بمستويات تساعد على إدامة التنمية المتسارعة، تواجه تحدّياً صارخاً، كما أن الطلب على المياه في المنطقة يتنامى بسرعة أيضاً نظراً لتزايد نمو السكان، في الوقت الذي نجابه فيه شحّاً متفاقما في المياه.

إن مشاركتنا في الاقتصاد العالمي ستظل محدودة حتى تصبح لدينا بُنى تحتية في مجال النقل والمواصلات قادرة على دعم العلاقات التجارية. وفي هذا الصدد، يمكن القول أن الاتحاد من أجل المتوسط قد أقام إطاراً عملياً يمكن من خلاله أن نبدأ في التصدّي لهذه التحديات.

ولكن يجب أن لا تفوتنا رؤية حقيقيةٍ رئيسية مفادها أن التحدّي الأهم أمام تنمية المنطقة هو مواجهة الصراع. وبالتالي، فإن جهودنا كشركاء لا جدوى لها إذا لم يتصدر السلام في الشرق الأوسط سلم الأولويات.

إننا لا نستطيع ببساطة أن نتصور إمكانية وضع حلول لمشاكلنا المائية المشتركة في غياب السلام. ولهذا، فالعديد من الناس يمكنهم أن يتصوروا اليوم الذي تصبح فيه المياه مصدراً آخر للصراع. كما أنه لا يمكننا تحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي الشامل، في الوقت الذي يساهم فيه النزاع، في استبعاد بعض الشركاء عن المساهمة في تحقيق هذا الهدف. ولا نستطيع كذلك أن نطوّر منطقة تجارة حرّة إقليمية في الوقت الذي يقف فيه النزاع عائقاً في وجه تطوير البُنى التحتية الضرورية. وإذا لم نتمكن من تحقيق هذه الغايات، فإنه يمكننا أن نتنبأ بالركود الاقتصادي... وما ينتج عنه من تداعيات سيئة من بطالة، وفقر، وهجرة العقول، ومستويات متراجعة للمعايير التعليمية والصحية، والإحباط، واليأس، والغضب.

وإذا ما أردنا أن لا يعزّز النزاع والتنمية القاصرة بعضهما بعضاً، فعلينا أن نتصدى لبؤر النزاع، بدء من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين الذي يشكل القضية الجوهرية في المنطقة.

سيداتي وسادتي،

في الشهر القادم، سيكون قد مرّ عام على لقاء القادة الفلسطينيين والإسرائيليين في آنابوليس، في ولاية مريلاند الأمريكية، بدعم من الاتحاد الأوروبي، ودول المنطقة. وقد تعهد الجانبان هناك بإجراء مفاوضات شاملة للتوصل إلى معاهدة سلام في عام 2008. كما التزم الطرفان - الفلسطينيون والإسرائيليون - بالحل القائم على وجود دولتين باعتباره الحل الوحيد القادر على تأمين العدالة والأمن وهو ما يسعى الجانبان إلى تحقيقه. ولأول مرّة منذ سنوات، بدأنا نرى تحرّكات متواضعة، باتجاه تحقيق التسوية الدائمة والعادلة لهذا النزاع.

إن هذا التقدم يعكس التزام العديد من أصدقاء السلام، بما في ذلك القادة في أوروبا والدول العربية الذين حثوا الطرفين على المضيّ قُدُماً في المفاوضات. وهذا يؤكد مرة أخرى، أهمية الدعم الدولي، على جميع المستويات، لعملية السلام. فمن دون هذا الدعم، لن يتمكن الجانبان من جَسْر الهوّة بينهما. ومشاركة المجتمع الدولي، تُضْفي جوّاً من الثقة والمصداقية للعملية السلمية، وتعمل على تسهيل اتخاذ القرارات الصعبة. كما أنها توفر منظوراً جديداً لحل النزاع، في أذهان المنهمكين بإدارته بشكل يومي.

والأمر يحظى بأهمية أكبر الآن من أي وقت مضى، ذلك أن المفاوضات الأصعب أمام القادة الفلسطينيين والإسرائيليين لم تنجز بعد، هذا في الوقت الذي تراجعت فيه الثقة العامة بالعملية السلمية إلى أدنى مستوياتها.

كما أن الحقيقة الماثلة للعيان هي أن النجاح على طاولة المفاوضات، لم يواكبه تحسن ملموس على الأرض، في حياة من يتأثر بالنزاع بصورة مباشرة، وخاصة الفلسطينيين. فبناء المستوطنات الإسرائيلية مازال مستمراً على الأراضي الفلسطينية. وما زالت التجمعات السكانية الفلسطينية مقّطعة الأوصال بالجدران وحواجز الطرق، التي تشدّد الخناق على النشاط الاقتصادي والروابط الاجتماعية والأسرية. كما أن المعاناة الإنسانية التي يسبّبها العنف والحصار مازالت مستمرة كحقيقة يومية لملايين الناس، من الفلسطينيين والإسرائيليين.

إن هناك حاجة لفتح نافذة للأمل. ولهذه الجمعية دور هام تقوم به لانجاح هذا الأمر وذلك من خلال المساعدة في إبقاء أنظار القادة السياسيين في العالم على هذه القضية الأساسية، في الوقت الذي تستحوذ فيه على اهتماماتهم الأزمات العالمية الأخرى. كما يمكن النجاح في هذا الأمر من خلال تشجيع حشد الموارد المطلوبة للتغلّب على الأزمة الإنسانية، والدعوة إلى عقد الشراكات ودعمها لرفع وتيرة الفرص الاقتصادية المتاحة، وتوفير الخدمات العامّة الفعّالة والبُنى التحتية التي يمكن الاعتماد عليها لتوسيع إمكانية فرص الحصول على التعليم والرعاية الصحية. وإسمحوا لي هنا بالقول إن تحسين ظروف الحياة الأساسية لن تقتصر فائدته على بناء الثقة في العملية السياسية، بل ستتجاوز ذلك إلى المساعدة أيضاً، في تهيئة الظروف التي تسهم في إدامة السلام على المدى البعيد.

النواب الافاضل،

في هذه القاعة أناس من الشرق الأوسط وأوروبا يحملون ذكريات حيّة عن الصراع، الذي يشكّل جزءًا من تاريخنا المشترك. و ليس هناك بين شبابنا روايات تاريخية مُشتركة، فأهوال الحرب غريبة عن جيل الشباب في أوروبا الذي بدأ يأخذ دوره في الحياة الآن، أما بالنسبة للشباب في الشرق الأوسط، فإن العنف يظلّ حقيقةً يومية.

ولكن ما يدركه الجميع هو أن الناس في أرجاء الشرق الأوسط وأوروبا، يتطلعون بأمل إلى تحقيق السلام، للعرب والإسرائيليين الذين هم كالأوروبيين، يتطلعون إلى توافر الفرص وتحقيق الإزدهار، و يسعون إلى إيجاد فرص مستقبلية مشتركة.

إنكم، كنواب مُنْتخبين، تجسّدون طموحات مئات الملايين من الناس، وقد اتخذتم على الدوام موقفاً مشرفاً في دعم آمالهم وتطلعاتهم. وهناك حاجة اليوم، إلى سماع صوت هذه الجمعية أكثر من أي وقت مضى، للمساعدة في توفير وإدامة الزخم اللازم لتحقيق سلام عادل ودائم، وتنمية وازدهار مستمرين... وبناء المستقبل الذي تتطلع إليه شعوب أوروبا والشرق الأوسط.

وأخيرا، يشرّفني باسم صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، حفظه الله، أن أرحب بكم مجددا في الأردن، وأن أتمنى لكم التوفيق والنجاح في مداولاتكم.

وشكراً لكم جميعا،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.