خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجلسة العامة للدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة

٢٤ أيلول ٢٠١٤

بسم الله الرحمن الرحيم


السيد الرئيس،
السيد الأمين العام، شكرا لكم.
رؤساء الوفود،
وأعضاء الجمعية العامة الكرام،

ما هي القوة العالمية وأين تكمن؟ إن القوة العالمية تكمن هنا، وهي قوتنا نحن. إذا عملت بلداننا معا يدا بيد.

وهذا هو الوعد الكبير الذي تتبناه الجمعية العامة. وتفرض علينا الظروف الحالية أن نمارس هذه القوة الآن، وأن نمارسها بشكل كامل.

لقد تنامت، في منطقتنا، التحديات وتعمقت بشكل كبير منذ أن تحدثت إليكم من هذا المنبر في المرة السابقة. وأولئك الذين يقولون "هذا ليس شأننا" مخطئون، وذلك لأن أمن كل دولة سوف يتأثر بمصير الشرق الأوسط. ويمكننا معا، بل يجب علينا جميعا، اتخاذ تدابير إنسانية وأمنية عاجلة، وإيجاد حلول دائمة للأزمات القائمة اليوم، وتوفير فرص جديدة للحوار والمصالحة والازدهار والسلام.

أصدقائي،
إن الإرهابيين والمجرمين الذين يستهدفون سوريا والعراق وغيرهما من البلدان اليوم، ما هم إلا انعكاسات متطرفة لتهديد عالمي الطابع. ويحتاج مجتمعنا الدولي إلى استراتيجية جماعية لاحتواء هذه الجماعات وهزيمتها.

ويقف بلدي في طليعة هذا الجهد؛ فنحن نتصدر عددا من المبادرات الهادفة لمواجهة التطرف، وبما أن بلدنا يمثل كتلة آسيا والمحيط الهادي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإننا نتطلع لنتائج فعالة لجلسة مجلس الأمن حول التهديدات التي تواجه السلم والأمن العالميين بفعل الأعمال الإرهابية، والتي يترأسها الرئيس أوباما.

ولا بد من توجه عالمي آخر، وهو التأكيد الحاسم على الاحترام المتبادل بين أتباع الدين الواحد وبين الأديان والشعوب على اختلافها.

إن تعاليم الإسلام الحنيف واضحة بهذا الشأن، فالإسلام يرفض الصراع الطائفي بالمطلق، ويحرم العنف ضد المسيحيين والطوائف الأخرى من مكونات المجتمعات في البلدان المختلفة. واسمحوا لي أن أؤكد من جديد أن المسيحيين العرب جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا وحاضرها ومستقبلها.

إنني أدعو الزعماء المسلمين وغيرهم إلى العمل معا لدحض الأكاذيب ودحر مساعي التفرقة. ويتشرف الأردن بأنه تصدر جهودا دولية للوئام بين الأديان وفي سياق الدين الواحد. وبناء على هذه الجهود، سوف يقوم الأردن بعرض مشروع قرار ينطوي على اقتراح عام لدراسة إضافة جريمة دولية جديدة تندرج تحت الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، على أساس الجرائم النكراء التي استهدفت الطوائف الدينية والتي شهدناها مؤخرا في العراق وسوريا.

ودعونا نعمل معا أيضا لمعالجة الظروف التي يستغلها المتطرفون. فالتطرف يتغذى على الظلم وانعدام الأمن والتهميش. وآمل أن يتمخض عن تنفيذ "أجندة التنمية التحويلية" الخاصة بالجمعية العامة، ما يحقق لشعوب العالم مستقبلا أفضل من خلال برامج واستثمارات ملموسة تغير حياة الناس نحو الأحسن.

أصدقائي،
يجب علينا أيضا أن نجتهد في البحث عن حلول سياسية قائمة على الإجماع للأزمات الإقليمية. ويجب معالجة الوضع الأمني في سوريا والعراق ولبنان من خلال منهج شمولي. والأردن يدعم عراقا موحدا ومستقرا، وعملية سياسية وطنية شاملة هناك. وفي سوريا، يجب أن يكون هنالك حل سياسي قائم على إصلاحات تكفل لكل مكونات المجتمع دورا في إعادة بناء بلدهم. وللتأثير الدولي أهمية حيوية في دفع المعارضة المعتدلة والنظام إلى طاولة المفاوضات فورا.

إن التدفق الكثيف للاجئين السوريين مستمر، حيث يأوي الأردن ما يقرب من 1.4 مليون سوري تقريبا. ونحن الآن ثالث أكبر مستضيف للاجئين في العالم، ما يلقي بعبء ثقيل على الناس في الأردن، وعلى البنية التحتية والموارد المحدودة أصلا.
ودعونا نؤكد هنا أن أزمة اللاجئين مسؤولية عالمية باعتراف الجميع، وهي بالتالي تتطلب حلا دوليا. إلا أن المساعدات الدولية لم تواكب حتى الآن الاحتياجات الحقيقية، ولا بد من جهد منسق لضمان تدفق المساعدات الإنسانية، داخل سوريا، ولدعم البلدان والمجتمعات المضيفة، بما فيها الأردن.

أصدقائي،
لا يمكننا مناقشة مستقبل منطقتنا دون الخوض في الصراع المركزي فيها، والمتمثل في حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه ودولته.

لقد شهدنا مرة أخرى هذا العام جمودا خطيرا في التقدم نحو السلام وإنشاء دولة فلسطينية، ولنرى بدلا من ذلك في غزة؛ تحولا عنيفا نحو الصراع. ودعونا هنا نسأل: كيف نداوي جراح الأسر التي خسرت العزيز من أبنائها وبناتها؟ وكيف نزرع الأمل في شباب مستقبلهم في خطر؟

وكخطوة أولى ملحة، فلا بد من حشد الجهود الدولية لإعادة بناء غزة. وبينما نفعل ذلك، علينا أن نحشد الاستجابة الدولية الضرورية للتوصل إلى تسوية نهائية دائمة. ومن شأن هذا أن يساعد في خلق البيئة الضرورية لإعادة إطلاق مفاوضات الوضع النهائي، استنادا إلى مبادرة السلام العربية.

إن من شأن هذه المقاربة أن ترسم طريقا واضحا، وهو الطريق الوحيد، نحو تسوية شاملة تستند إلى حل الدولتين ومرجعيات الشرعية الدولية. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن هذه التسوية سوف تضمن لها الأمن وعلاقات دبلوماسية واقتصادية طبيعية مع الدول العربية والإسلامية. وسيحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة قابلة للحياة وذات سيادة، على خطوط عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

إن الإجراءات الأحادية التي تسعى إلى استباق المفاوضات يجب أن تنتهي. ويعارض الأردن بشدة التهديدات التي تستهدف هوية القدس العربية الإسلامية والمسيحية. وبصفتي وصيا هاشميا على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، ساستمر في الوقوف ضد أي انتهاك لحرمة المسجد الأقصى.

أصدقائي،
يسعى الشعب الفلسطيني إلى القيم التي يسعى إليها كل البشر، والمتمثلة في العدل والكرامة والأمل، وهذه هي القضية الجامعة للدول الأعضاء في هذه الجمعية.
إن هذه هي مسؤوليتنا العالمية، وتكمن في القوّة التي بين أيدينا. لذا، دعونا نجعلها حقيقة وواقعا عالميا. والأردن على أتم الاستعداد ليؤدي دوره المطلوب بهذا الصدد.

وشكرا،