خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في آسبن، كولورادو

٣٠ تموز ٢٠٠٢

أشكركم على حسن الضيافة ويسعدني أن أكون هنا في آسبن ويشرفني أن أساهم في هذا الحدث الذي يمثل فرصة لكل واحد منا كي يأخذ بعض الوقت ويفكر بالمستقبل وما آمله.. هوأن نغادر وقد حققنا نفاذاً جديدا لبصائرنا وعثرنا على أدوات تساعدنا في مواجهة التحديات الماثلة أمامنا.

دعوني أقول ثانية كلمة حول القيادة لا يتاح لي فرصاً عديدة لكي أتحدث فيها مع عدد كبير من القادة في حقول مختلفة لكني أعتقد أنه من خلال الأدوار المتعددة وبسبب تعدد أدواركم هذه عليكم القيام بدور حيوي لبلورة عالمنا تعلمون أن الشعبين العربي والأمريكي يتشاركان في تقليد قديم وهام تقليد قول الصدق لقادتهم وفي هذا العام ما يقوله الناس بصوت عال وواضح هو أن الثقة هي العامل الأساس سيدتي أعلم أن واحداً ممن سبقوك في وزارة الخارجية الأميركية جورج شولتز، قال ما قلته عن واشنطن لكن اليوم، يبدو واضحاً أن الثقة هي العامل الأساسي في زماننا وعالمنا سواء أكانت في الإدارة أو التجارة العالمية أو الإدارة الحكومية أو في حل النزاعات الدولية.

الحقيقة تكمن في أن الناس يودون التأكد من أن الذين يأتمنونهم على مستقبلهم يحملون المسؤولية بالتزام كامل. يمكنكم القول أن الحال كان هكذا دائماً لكني أعتقد أن عصرنا الراهن يحمل لنا تحدياً عالمياً من نوع جديد. فالتقنيات الحديثة والمعارف الإنسانية قد قربت كثيراً بين الشعوب عبر التاريخ الأحداث في مكان ما تؤثر بسرعة مذهلة على الأحداث في مكان آخر فالشعوب قادرة على الوصول الى كم هائل من المعلومات والأفكار.

وقد أوجد هذا كله متطلبات جديدة للرجال والنساء في العالم كله وهو المشاركة في أفضل ما يمكن لبلدنا أن يقدمه والناس في نهاية الأمر.. لا يرضون إلا الأفضل ولا يأملون إلا الأفضل ويمكنني أن أضمن لكم أن بياناً كهذا لن يقلل من شأنه أبداً فآمال الشعوب وتطلعاتها لا يمكن إلا أن تنمو وتقوى لذا أمامنا، نحن جميعاً، واجب نقوم به أن نقدم أملاً حقيقياً وأن نساعد أن نقدم فرصة صادقة وحقيقية أن نحقق السلام ليس للأجيال القادمة وحدها بل لأجيالنا الحالية.

الأخبار الجيدة هي أنه في سبيل تحقيق هذه الأهداف يمكننا الاستفادة من فرص تغير فريدة الأولى هي الإدراك الذي لم يتحقق من قبل في اعتماد كل منا على الآخر، شعوباً وأمما فالتواصل العالمي المتداخل في وقتنا الراهن يطرح لنا التحديات بكل تأكيد لكنه أيضاً يوفر امكانية العمل معاً وكما لم يحدث من قبل وأعتقد أن هذا المؤتمر يبرز هذا تحديداً.

الثانية هي إحساس عالمي جديد بإلحاح الزمن فقد عملت مستنقعات الفقر واليأس لمدة طويلة في توفير أرضيات النزاع والفرقة والتطرف. لكن في أعقاب الرعب الأخير المحزن يوجد تصميم في بلدان العالم كافة على العمل بسرعة لمنح شباب هذا العصر خيارات مختلفة وأفضل من تلك التي يعاني من جرائها.

والثالثة هي اتساع قاعدة المعلومات لاستراتيجية تنموية فعالة. الحقيقة هي أننا نعيش في زمان حافل بالقدرات المدهشة فالسوق العالمي محرك جبار للنمو فالسياسات المحلية السليمة والحكم الجيد وسيادة القانون هي مفاتيح التنمية. ونعلم أن التعاون الدولي فاعل -مثل هذا التعاون، العام والخاص، يخدم في تحفيز التعليم والصحة والتقدم الاقتصادي ويضع هذا الدول النامية على طريق التنمية المستدامة الصحيحة.

أصدقائي،

من الملاحظ أنه على الرغم من تضارب فهم الغرباء لأمريكا إلا أنهم لا زالوا يودون الانضمام لعالمها وإلى الحداثة والازدهار الذي تجلبه. الكون آخد بالاقتراب من قيمها وأساليبها خاصة في إتاحة الفرص والمعرفة والأمل الذي تمثله. بلدان تنمو فيها ديمقراطيات جديدة أو تسعى إليها فهم يتمتعون بالحرية أو يتوقون إليها لديهم رؤوس الأموال أو يحلمون بازدهارها وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ليست الأمة الوحيدة التي تخلص إلى هذه القيم لكنها تمثل لكثيرين التعبير الكامل لها. وهذا الدور منح الولايات المتحدة أيضاً مسؤولية قيادية فريدة.

في الحقيقة، وكما أوضح عضو الكونغرس السابق جاك كيمب مساء أمس بدأت مقارنة منذ الآن بين العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وفترات تاريخية أخرى عندما ساعد الأمريكيون في بناء العالم الحر من حطام الحرب العالمية الثانية لم تكن المهام والمسؤوليات لفترة ما بعد الحرب بينة آنئذ للرئيسين ترومان وأيزنهاور كما هي الآن وبأثر رجعي..

في الحقيقة استغرقت الولايات المتحدة ثلاث سنوات قبل أن تطور خطة مارشال وسنوات أخرى لبناء وتقوية جهود مساعدة أخرى لكن وبمرور الزمن أرسى هذا الالتزام الأرضية اللازمة لمنطقة متوسعة من العالم الحر حول العالم. اليوم، كما كان الحال سابقاً، الولايات المتحدة مطالبة بتقديم مساعدتها في تشكيل عالم جديد من الحرية ولكن هذه المرة، في أعقاب حطام انهيار الشيوعية واتخاذ الإرهاب موطئ قدم.

وكما كان الحال سابقاً لا بد أن يحدث التحدي تغييراً والذي سينمو على الأرجح. وكما كان الحال سابقاً أيضاً لا بد من بذل جهد كبير جهد يستقطب الإحساس المتجدد للهدف الأمريكي جهد يعترف ويدعم الإصلاح والتنمية كمصدر حيوي للمصالح الأمريكية الوطنية وكموفر للأمن الأمريكي الداخلي. جهد يدرك أن إنهاء النزاعات التي تولد الكره واليأس ما هو إلا جزء من الحرب على الإرهاب ذاتها. ليس هناك مكان يستحق هذا الجهد كاستحقاق الشرق الأوسط له. ما من مكان مثله يبرز الحاجة الآنية الملحة لنتائج القيادة الأميركية وفوائدها.

لقد عانت شعوب المنطقة الكثير ولمدة طويلة ذلك الألم، ألم الخسارة والظلم تسبب بها أعداء السلام ألحقت إساءات مفجعة ومأساوية وأكثر من أي وقت مضى آن الأوان لإحلال العدل والسلام والأمل للشعبين في فلسطين وإسرائيل حل عادل شامل يلبي احتياجات الشعبين للفلسطينيين .. إنهاء الاحتلال وتأسيس دولة ديمقراطية ولإسرائيل أمن حقيقي. إنها احتياجات متناغمة ومتممة لبعضها بعضا..

هذا الصيف أعلن الرئيس بوش عن رؤية للسلام في الشرق الأوسط أعتقد أننا بتنا بحاجة للتحرك بسرعة لترجمة هذا إلى واقع وضع الرئيس إطاراً زمنياً من ثلاث سنوات لتحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية أعتقد أن علينا تفعيل زمن هذا الهدف كي ينهى الاحتلال العسكري بسرعة أكبر تأسيس مؤسسات الإصلاحات الديمقراطية والسوق الحرة في فلسطين لا تعني الكثير عندما يكون بمقدور الاحتلال إيقاف التجارة والحياة اليومية برمتها. بل والأكثر، إذا كانت فلسطين لتحصل على مؤسسات حرة حقيقية يجب أن يكون الإصلاح السياسي من الداخل ولمصلحة الفلسطينيين ويجب أن نعثر على تسوية شاملة تعالج المسارين السوري واللبناني كي نتمكن في النهاية من وضع حد لهذه المأساة الدامية.

أصدقائي

هناك إجماع لم يتحقق من قبل على الدور الفريد والضروري للولايات المتحدة في التوصل لحل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي لكن علي أن أخبركم كصديق أن ثقة العرب بتأثير الولايات المتحدة متدنية والذي بدوره يشكل سبباً أكبر لتبدي الولايات المتحدة التزامها بالعدل والحرية وقيادة المسيرة نحو السلام العادل والشامل وبالطبع، لن يأتي الحل من الخارج فقط. إذ يجب أن يدرك العرب والإسرائيليون أن مصيرهم بين أيديهم أولاً وأخيراً إذا لم يتوقفوا عن النزاع قبل الانزلاق للهاوية فلن يفعل أحد هذا عوضاً عنهم يجب علينا جميعاً الارتقاء بمسؤولية هذه اللحظة التاريخية للتطلع نحو مستقبل أفضل ويجب أن يدفع الطرفان لقبول تسوية وبناء أحلام جديدة.

إن المنطقة التي آتي إليكم منها بحاجة ماسة السلام والتنمية والحداثة لقد أظهر تقرير حديث للأمم المتحدة أنه خلال العشرين عاما الماضية وخلافاً لما هو شائع تقلص دخل الفرد في البلدان العربية وأصبح الآن قريباً من مستوى بلدان الصحراء الأفريقية إن واحداً من كل خمسة في العالم العربي يعيش بأقل من دولارين يومياً وإن خمسة عشر في المائة من القوى العاملة هي عاطلة عن العمل فالإنتاج ينحدر والإصلاح والديمقراطية هزيلان أو غائبان تماماً والعلوم والتقنية في سبات.

وبقدر كآبة الحقائق التي أوردها التقرير إلا أنها على أي حال توفر الحافز اللازم لوضع حد للنزاع والتركيز على التغير عوضاً عنه. يجب أن تلبي الدول العربية طموحات شعوبها اليافعة في خلال العقود القليلة القادمة ستكون أغلبية سكاننا قد ترعرعت وتعلمت في عالم تسود فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان واقتصاديات السوق ولن تقبل شعوبنا بأقل من هذا لأنفسها. سيتطلب هذا تغيراً هيكلياً للاقتصاديات العربية واستعدادها وقدرتها على النمو يجب أن تزداد إذا ما كانت ستستوعب القوى العاملة الجديدة إن النمو ضروري أيضاً في تلبية الأهداف الاجتماعية وتخفيف حدة الفقر وتحسين نوعية الحياة..

ولا يأتي كل هذا إلا بجهد مشترك لا يمكن أن يتحقق دون دعم عالمي تاريخياً كان بلدي دائم التعرض للتطورات الإقليمية ويعكس أداء الأردن الاقتصادي اعتماده على الغير في التجارة والمساعدات والتحويلات واستدامة التنمية الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي أثبتت صعوبتها في أجواء النزاعات وعدم الاستقرار التي عصفت بالشرق الأوسط.

وعلى الرغم من المصاعب أفتخر بأن أقول أن الأردن قد نجحفي شق مسار جديد في الشرق الأوسط وقمنا بريادة التجربة الديمقراطية التي بنيت على مؤسسات القانون الراسخة والشفافية والعدل لقد صنعنا السلام مع جيراننا ودعمنا الإصلاح الاقتصادي وفتحنا أبواب التملك الخاص والإدارة ونتأمل تحقيق نمواً اقتصادياً حقيقياً في هذا العام - يبلغ 5 بالمائة من الناتج الاجمالي المحلي بعد أن تمكنا من تحقيق معدل نمو يصل إلى 2ر4 بالمائة في العام الماضي وقد ازدادت صادراتنا بنحو25 بالمائة في العام الماضي وبما مقداره (19) بالمائة في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام وازدادت صادراتنا إلى الولايات المتحدة من 5ر7 مليون دينار عام 1997 إلى ما يتجاوز 300 مليون دينار في العام الماضي الأمر الذي تواكب مع إبرام الأردن اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأميركية وانخفضت المديونية الخارجية من 120 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي إلى حوالي 73 بالمائة منه في الوقت الحاضر وبعيداً عن الأرقام فإن هذه المؤشرات تدل على شراكة فعلية أرسيناها مع القطاع الخاص. واعتمد الأردن من خلالها على طاقاتنا الشابة المفعمة بالحيوية فهم أفضل ما لدينا..وأكثرها ذكاءً.

وتعمل هذه الطاقات في سبيل تحقيق أهدافنا وتحويلها إلى واقع. وقد قال أحدهم، في الخامسة والثلاثين من عمره ويشغل منصب رئيس جمعية تقنية المعلومات الأردنية "قبل عامين أحضرنا أوراكل وأميركا أون لاين وصن مايكروسيستامز وسيسكو سيستامز وغيرهم وأخبرناهم بما نخطط له أما الآن فنحن ندعوهم لنخبرهم بما تم إنجازه حتى الآن" وبالطبع..المشوار أمامنا لا زال طويلا لكننا لن نتوقف..ولا يمكننا أن نتوقف حتى نحقق وعد القرن الواحد والعشرين لجميع الأردنيين لكننا حققنا النجاح حسب اعتقادي في وضع المعايير لإقليمنا وفي تأسيس قاعدة ضرورية لمجتمع مدني معاصر وقوي مجتمع يضمن الحرية والحقوق المتساوية وإتاحة الفرص للتقدم والإزدهار.

مرة أخرى..الأمر يعود لقضية الثقة. يجب أن نكون على مستوى ثقة الشعوب بأن مستقبلهم في قلب كل ما نفعل وهذه أيضاً هي رسالة اجتماعنا هنا حسبما أراها. لدفع التنمية من خلال الشراكة وطاقة شعوبنا وللعثور على سبل مبتكرة لتوفير الفرص ولكي نكون بمستوى ثقة أولئك الذين يلجأون إلينا لبناء القرن الجديد هذا قرن الأمل والتغير.

ولكم مني الشكر الجزيل.