خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة عيد الاستقلال

٢٤ أيار ٢٠٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة والأخوات الأعزاء،

أهلا ومرحبا بكم، وكل عام وأنتم والوطن بألف خير.

في هذا اليوم المبارك أتوجه بتحية الفخر والاعتزاز وبالتهنئة والمباركة بهذه المناسبة العزيزة والغالية إلى كل مواطن ومواطنة من الأسرة الأردنية الواحدة الكبيرة، ومن أبناء وأحفاد الرجال المخلصين، الذين بدأوا مسيرة هذا الوطن وقدموا أكبر التضحيات من أجل الاستقلال، وتحقيق الإنجازات الكبيرة، التي شكلت الأساس القوي لبناء الأردن الشامخ، الأردن الذي تجسدت فيه مبادئ ورسالة الثورة العربية الكبرى، التي قادها وضحى في سبيلها بكل ما يملك وبكل ما يستطيع أبو الثوار وأبو الأحرار الشريف الهاشمي الحسين بن علي طيب الله ثراه. ومـن الوفاء لهؤلاء الرجال الثبات على المبادئ والمواقف والرسالة التي ضحّوا في سبيلها.

وأفضل طريقة للاحتفال بالاستقلال، هي أن نبني على ما بناه الآباء والأجداد، وأن نحقق المزيد من الإنجازات، وأن نستمر برؤيتنا الواضحة، نحو الأردن القوي المنيع المزدهر، الأردن الذي ينعم فيه أبناؤنا وأحفادنا، بالحرية والأمن والعيش الكريم. إن المساهمة في هذه المسيرة، وتحقيق رؤيتنا لأردن المستقبل، هي واجب على كل أبناء وبنات هذا الوطن، كل واحـد من موقعه، فالجميع شركاء في هذه المسيرة، وشركاء في مجتمع العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، ونحن كلنا الأردن وكلنا للأردن.

في الشأن الداخلي، ما زلنا - أيها الإخوة - عند الوعد الذي قطعناه على أنفسنا، وهو تحقيق التنمية الشاملة، ونحن والحمد لله نمضي قـدما وبخطى واثقة، نحو تحقيق فرص الحياة الكريمة للشباب الأردني، وبناء اقتصاد قوي يعتمد على مواردنا البشرية، التي نعمل على تأهيلها وتدريبها. ورؤيتنا في التعليم والتأهيل واضحة كل الوضوح، وبالرغم من كل التحديات والمعيقات، فالإنجاز والحمد لله يتحقق في كل المجالات. وبهمة الأردنيين وعزيمتهم، وبالعمل الجاد المخلص، سنحقق كل طموحاتنا بإذن الله. صحيح أن مواردنا الطبيعية محدودة، والظروف الإقليمية من حولنا يمكن أن تؤثر على أوضـاعنا، لكن لا نريد أن تكون هذه الظروف، سببا للتردد أو التراجع، ولا مبررا للتراخي أو التقصير لا سمح الله.

أما مسيرتنا الديمقراطية، فنحن حريصون كل الحرص على ترسيخها وتعميقها، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، واحترام مبدأ التعددية، في إطار الوحدة الوطنية، التي يجب أن تبقى فوق كل الاختلافات. فالتعددية والتنوع هي روافد تثري المسيرة، وتمكّن المواطن من حرية الاختيار والتعبير.

على أي حال، أمامنا الانتخابات البلدية في هذا الصيف، ومن بعد ذلك الانتخابات النيابية، وهذا كما قـلت في السابق، تأكيد على التزامنا بأحكام الدستور، وحرصنا على تمكين المواطن من المشاركة في صنع القرار. وهنا اسمحوا لي بالتأكيد مرة أخرى، على أن العمل العام مسؤولية وتكليف، وليس وجاهه أو تشريف، كما أن العمل العام يحتاج إلى المعرفة والخبرة والتضحية بالمصالح الشخصية، من أجل المصلحة الوطنية أو العامة. وبهذا المعنى ستكون الانتخابات القادمة فرصة لكل مواطن في هذا البلد، للتعبير عن المفهوم الحقيقي للمواطنة والانتماء، سواء عندما يرشح المواطن نفسه، أو عندما ينتخب من يمثله في البلدية أو في مجلس النواب.

من حق الوطن على كل مواطن، أن يقوم بواجبه في ممارسة حقه في التصويت والانتخاب. والصوت الانتخابي أمانه، ويجب أن نؤدي الأمانة إلى من يستحقها من الأشخاص المشهود لهم بالأمانة والكفاءة والانتماء. ولا نريد أحدا أن ينخدع بالشعارات البراقة، ولا بالوعود التي ليس لها أول وليس لها أخر. مهمة النائب - أيها الإخوة - هي الرقابة والتشريع، والنائب هو نائب للوطن كله، وليس لمنطقه أو عشيرة أو حزب. ومن صميم عمل النائب في الرقابة، محاربة الواسطة والمحسوبية، وليس ممارستها أو السكوت عليها. ونحن بحاجة لمجلس نواب يستوعب رؤيتنا للمرحلة القادمة، وحاجتنا للتشريعات الضرورية لهذه المرحلة.

الإخوة والأخوات الأعزاء،

منذ اليوم الأول لبداية الصراع العربي الإسرائيلي، كان الأردن الرديف والسند والداعم للأشقاء الفلسطينيين، وقد دفع الأردن ثمن هذا الموقف طيلة العقود الماضية، وتحمّل في سبيل القضية الفلسطينية، ما هو فوق طاقاته وإمكانياته. وكان الشريف الحسين بن علي، أول من دفع ثمن موقفه، للدفاع عن عروبة فلسطين، ورفضه للمساومة أو التفريط بأي حق من حقوق الأمة العربية. وبعده دفع الجد المؤسس حياته ثمنا لهذا الموقف. أما الوالد رحمه الله، فالبعيد والقريب يعرف كم تحمّل وكم عانى في سبيل هذه القضية. والشعب الأردني كله، وبغض النظر عن المنابت والأصول، تحمّل وعانى، وقدم أكبر التضحيات، للدفاع عن القضية الفلسطينية. وكلنا يعرف، أنه لا يوجد مدينه أو قرية أو عشيرة أردنيه، إلا وكان منها جندي أو ضابط استشهد أو جرح أو قاتل بشرف وشجاعة، للدفاع عن فلسطين. ومن لم يقاتل منهم في ساحة المعركة، تحمّل النتائج والآثار المدمرة للحروب، التي قاتلنا فيها للدفاع عن فلسطين، ودفع ثمن هذه الحروب من تعبه ومعاناته وخبز أطفاله.

وبالرغم من كل هذه التضحيات، كان الأردن والأردنيون والملوك الهاشميون، يتعرضون للاتهامات الظالمة، والتشكيك في دورهم، وإنكار تضحياتهم وتخوينهم في بعض الأحيان. واليوم، وبعد كل هذه السنين الطويلة، أثبتت الأحداث والتاريخ، أصالة الموقف الأردني، وبدأ العالم والأشقاء العرب يعترفون بهذا الدور المشرّف، والتضحيات الكبيرة التي قدمها الأردن: الشعب والقيادة على حد سواء. ونحن لا نقول هذا الكلام، للدفاع عن مواقفنا، ولا من أجل المزايدة على مواقف الآخرين كما يفعل غيرنا، ولا نريد أن نحمّل الجميل لأحد، لأن هذا واجبنا، ولا نريد من أحد أن يشكرنا عليه. نحن نقول هذا الكلام، وفي عيد الاستقلال، حتى يتذكر المواطن الأردني دائما أن هذا البلد لم يقصر أبدا، لا تجاه الأمة العربية، ولا تجاه القضية الفلسطينية، وإنه من حق المواطن أن يرفع رأسه، وأن يبقى رأسه دائما مرفوعا.

واليوم نؤكد من جديد، على أن الأردن سيستمر فـي الدفاع عن الحق العربي في فلسطين، حتى يستعيد الشعب الفلسطيني، كامل حقوقه ويقيم دولته المستقلة على أرضه، وينعم فيها بالحرية والاستقلال والحياة الكريمة. وسيواصل الأردن تحركه السياسي، واستخدام كل المنابر في شتى أنحاء العالم، للدعوة لتحقيق السلام الدائم والشامل، الذي يضمن الحقوق، ويصون الكرامة لأصحابها.

على أي حال، الآن هناك تعاطف دولي، وإرادة سياسية عربيه، لتسوية هذه القضية تسوية عادله، تقوم على حل الدولتين، وهناك المبادرة العربية التي أجمع عليها العرب في قمة بيروت عام 2002، وأكدت عليها قمة الرياض، هذه المبادرة التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ولم تفرط بأي من الحقوق العربية، وهذه فرصه حقيقية، لاسترجاع الحقوق الفلسطينية والعربية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. لذلك، لا بد من اغتنام هذه الفرصة، والاستفادة من تعاطف العالم مع معاناة الشعب الفلسطيني، وقناعته بضرورة وضع حد لهذه المعاناة، وترحيبه بالمبادرة العربية للسلام، قبل فوات الأوان، وضياع هذه الفرصة التاريخية، مثل الفرص التي ضاعت في السابق. وعلى هذا الأساس، سنستمر في دعم هذه المبادرة والترويج لها، في كل أوساط المجتمع الدولي والرأي العام الإسرائيلي.

ونحن عندما نتحدث عن القضية الفلسطينية، وندعو العالم إلى الالتزام برفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، والضغط على إسرائيل، للقبول بهذه المبادرة، فنحن لا نتحدث بالنيابة عن الفلسطينيين، ولسنا بديلا عنهم، ولا أوصياء عليهم، وليس لنا أي هدف، إلا مساعدتهم على استرجاع حقوقهم، وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم وترابهم الفلسطيني. وكما قلت، هذا واجب علينا وعلى كل العرب والمسلمين، فالقضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعا، ومعاناة الفلسطينيين هي معاناتنا، وسوف نستمر في جهودنا، لتوحيد كلـمة العرب، حتى تكون قوية ومسموعة، ومعبرة عن تطلعات الشعوب العربية وآمالها بتوحيد الصف، وتمتين الجبهة العربية.

الإخوة والأخوات الأعزاء،

منذ البداية، حذرنا من خطورة الصراعات والفتن الطائفية والمذهبية، والعنف والإرهاب، الذي يهدد بتدمير حاضر هذه المنطقة ومستقبلها، وتحويلها إلى ساحة مفتوحة للتدخل والصراع، بين القوى الإقليمية أو الدولية، التي لها أجندات في هذه المنطقة. وعلى هذا الأساس، عملنا وسنستمر في العمل، من أجل ترسيخ قواعد الاعتدال والتسامح والتفاهم والتعايش، التي تمثل رسالة الإسلام السمحة، والتي تجعل منا ( خير أمة أخرجت للناس ). وسوف نستمر أيضا في التصدي للفتن الطائفية والتعصب والتطرف، حتى لا نعطي لأعداء هذه الأمة، الفرصة للعبث بعقيدتها وثقافتها، وتاريخها ومستقبلها. إخواننا في العراق، كل يوم يذهب منهم العشرات وربما المئات ضحايا للعنف والإرهاب والفتنة، ونحن وقفنا وسوف نستمر في الوقوف، إلى جانب الشعب العراقي بكل مكوناته، وبكل ما نستطيع، للتخفيف من معاناته، والمساعدة على إعادة بناء مؤسسات الدولة، وإعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد، والشعب الشقيق والعزيز علينا جميعا.

الإخوة والأخوات الأعزاء،

في هذا اليوم، في عيد الاستقلال، نتوجه كلنا بالتهنئة الحارة، وبتحية الفخر والاعتزاز، لفرسان الوطن النشامى والنشميات، في الجيش العربي والأجهزة الأمنية، لأنهم رمز الاستقلال ورمز السيادة، ولأنهم العيون الساهرة، على أمن واستقرار هذا الوطن، وحماية مسيرته وإنجازاته. ومني شخصيا تحية لرفاق السلاح، لكل جـندي وكل ضابط وضابط صف، في كل خندق، وفي كل معسكر، يؤدي واجب الوطن والشرف والرجولة، على تراب هذا الوطن العزيز.

أما الشباب، فثقتي بهم كبيرة وأملي بهم ليس له حدود، وأقول لهم في هذا اليوم، أنتم صناع المستقبل، وأنتم فرسان التغيير، وإن تعزيز الاستقلال، وبناء المستقبل، الذي يليق بهذا الوطن وتضحياته، هو واجبكم، وأنتم الأقدر على النهوض بهذا الواجب، ونحن جميعا نعقد عليكم الآمال، ونتطلع إلى اليوم الذي نراكم فيه، قيادات متميزة، في كل مجالات الحياة، وفي المواقع المتقدمة، التي تساهمون من خلالها في صنع القرار وتنفيذه على أرض الواقع. وأتمنى على الشباب أن يكون لهم دور فعّال ومؤثر، في الانتخابات القادمة، دور يعكس وعيهم وثقافتهم، في اختيار من يمثل تطلعاتهم ورؤيتهم للمستقبل.

وأخيرا إخواني وأخواتي أبناء الأسرة الأردنية الواحدة، الشعب الأردني الخيّر المعطاء، أتوجه إليكم جميعا بأطيب التهاني بهذه المناسبة العظيمة، وكل عام وأنتم جميعا والأردن العزيز الغالي بألف خير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.