خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني امام النادي الاقتصادي لمدينة نيويورك

١٤ أيلول ٢٠٠٥

شكراً لك (باربرا). ويشرفني أن أكون معكم جميعاً اليوم. فقد استضاف هذا النادي، على مدى السنين، مناقشات هامة حول مستقبلنا العالمي. وآمل اليوم أن نتمكن ، معاً، من الإسهام في ذلك الحوار.

إن قرننا يحمل إمكانيات اقتصادية عظيمة. ولكننا لا نستطيع أن نأخذ مسألة المستقبل الأفضل على عواهنه. فالإرهابيون الذين لجأوا إلى العـنف في 11 أيلول/سبتمبر وفي الهجمات الإرهابية الأخيرة لهم رؤية مختلفة تماماً. إذ شنّوا هجمة مباشرة على الثقة التي تقوم عليها الحياة العالمية أصلاً. أما أجندتهم فهي مناهضة للديمقراطية، وللنمو الاقتصادي، وللتقدّم.

إن ردّ فعلنا يجب أن يكون موحّداً- وشاملاً. فعلينا أن نرفض بحزم الصدام بين الحضارات الذي يسعى المتطرفون إلى إحداثه. وعلينا أن ننهض إلى العمل على كل المستويات - لا على المستوى العسكري فحسب، بل وعلى المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أيضاً.

إن بلايين الناس اليوم، بمن فيهم العالم الإسلامي والغرب، يعتمدون على ما نفعله لإيجاد اقتصاد قوي شمولي عالمي. وتعاوننا وحوارنا ليسا مجرد أهداف مثالية- فهما استراتيجيتان أساسيتان بالغتا الأهمية للتقدّم. وفي الواقع، فبالقدر الذي يتمكن فيه المتطرفون من تجنيد مَنْ فقدوا الأمل- وخاصة شباب العالم- تكون درجة الإلحاح من قِبَلنا لتحقيق النجاح.

إن جميع البلدان عليها مسؤوليات فيما يتصل بهذا الجهد. وفي منطقتنا، تسلَّم الأردن زمام القيادة في تشجيع التنمية، والسلام، والإصلاح. وقد ركّزنا على ثلاث أولويات: الحكم الرشيد الصالح، الذي يجعل من الناس أصحاب مصلحة مشاركين في صنع مستقبلهم... والاقتصادات الغنية بالفرص التي يمكنها خلق الوظائف والنمو الاقتصادي، والسلام لوضع حد للنزاع وعدم الاستقرار. وقد دعمنا هذه الأهداف بمبادرات ملموسة عملية يمكن تبيّنها، ومراقبتها، ومتابعتها.

لقد شُكلّت حكومة جديدة هذا الربيع لتسرّع خطوات مجهودنا. وستقدم لجنة الأجندة الوطنية- التي يشترك فيها المعنيون من مختلف شرائح المجتمع- تقريرها هذا الشهر عن أولويات الإصلاح للسنوات العشر القادمة. كما يعمل بلدنا على إحداث اللامركزية في التنمية - عن طريق تشكيل مجالس محلية تتولى الإشراف على الأولويات المحلية.

وفي مجال العمل على إحداث نمو في الاقتصاد، قام الأردن بتنظيم عملية التنمية ووضعها في المسار الصحيح، كما استهدف الاستثمار ذا التوجّه التصديري. وكما يعرف الكثيرون منكم، فقد كنا أول بلد عربي يبرم اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ كما وقعنا اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي. ونعمل على خصخصة قطاعات هامة مثل الاتصالات، والتعدين، وتوليد الطاقة. وهناك فرص استثمار جديدة في القطاعات الناشئة - الخدمات المالية، والسياحة، والتصنيع.

إننا نعلم أن مواهب شعبنا هي التي تدفع مستقبل الأردن قُدُماً. وقد استثمرنا بقوة في شبابنا. ففي مرحلة مبكرة، يتعلم التلاميذ الأردنيون أدوات ولغة الاقتصاد العالمي - تكنولوجيا المعلومات واللغة الإنجليزية. والمعايير العالية الموضوعة للمناهج الدراسية تعمل على تعميق التعلّم وتشجيع التفكير الخلاّق. وتصنّف الدراسات العالمية بلدنا في المقام الأول في المنطقة في مجال الإصلاح التربوي.

لقد كان لهذه المبادرات ولغيرها نتائج إيجابية قابلة للقياس. واسمحوا لي أن أضعكم في صورة بعض الأرقام. إذ بلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي 5, 7 في المائة في عام 2004، و 7, 7 في المائة في الربع الأول من هذا العام. وانخفض العجز في الميزانية وكذلك الدين الخارجي. وارتفع احتياطي النقد الأجنبي إلى حوالي خمسة بلايين دولار. وتزيد الصادرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية على بليون دولار- بارتفاع كبير عما كانت عليه في عام 1999 عندما بلغت 13 مليون دولار. وبلغ مجموع الصادرات في العام الماضي 3, 3 بليون دولار- وهو ضعف ما كان عليه عام 1999. ونشهد تزايد رسملة السوق بصورة كبيرة ملحوظة، فقد بلغت في سوق عمّان المالي ما يزيد على 36بليون دولار في أيامنا هذه، مقارنة بحجمها عام 2000 والذي لم يزد على خمسة بلايين دولار.

إن هذه النتائج تعكس الدور الهام للقطاع الخاص في خلق الازدهار. ولكن في عالم يتعولم بصورة سريعة، لا يمكن للأسواق أن تقتصر على بلد ما وحده. ولمعالجة هذه المسألة، كنا المنطلق لمنبر عالمي جديد للأسواق الناشئة. وسيعقد في البحر الميت، مرة في العام، ابتداء من نيسان/إبريل القادم. وسيتيح المنبر للمؤسسات ومنشآت الأعمال المشاركة في المعرفة - وبناء الشراكات- رافعةً من مستوى قوتها ومحددةً لإصحاب المصالح المعنيين على المستوى العالمي القيمةَ المتحصلة. ونعمل عن كثب مع قادة الأعمال العالميين لإيجاد هذا المنبر الجديد. وبالتأكيد ندعوكم لأن تهتموا بهذه المبادرة وأن تشاركوا فيها.

إن الأردن سار قُدُماً بقوة، بالرغم من النزاع وعدم الاستقرار الإقليميين. ولكننا واقعيون: فالتقدم الطويل المدى للمنطقة بأكملها والعالم، يعتمد على إحلال السلام. ونحن ملتزمون بقوة بحل دائم للنزاع العربي الإسرائيلي- دولتان، دولة فلسطين المستقلة القابلة للحياة، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل آمنة. ونعمل أيضاً على مساعدة الشعب العراقي على بناء مستقبله. وقبل شهرين، استضفنا مؤتمراً رئيسياً للمانحين لتنظيم الدعم العالمي لذلك البلد.

وخارج نطاق المنطقة، هناك ساحة هامة أكبر أيضاً. فكي ندفع السلام العالمي قُدُماً، علينا أن نتصدى للتطرف الذي يمكن أن يقسم العالم إلى معسكرات تعادي بعضها بعضاً. ويتطلّب هذا التواصل مع جميع الأطراف. وقبل يومين ، اجتمعنا، زوجتي الملكة رانيا وأنا، في الفاتيكان مع قداسة البابا بنديكيت السادس عشر. وهنا في الولايات المتحدة الأمريكية، سأتحدث هذا الأسبوع مع المسيحيين والمسلمين واليهود. فلدياناتنا جذور مشتركة، ومسؤوليات مشتركة. ولا يمكن أن نسمح للتطرف بأن يفرض الحوار، أو يعمل على إسكات إنسانيتنا المشتركة.

إن الأردن يعمل أيضاً مع المجتمع الإسلامي العالمي للتصدّي للتفسيرات المتطرفة للإسلام. وقد أطلقنا، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رسالة عمّان التي تشرح الصورة الحقيقية للإسلام: ودعوته للتسامح واحترام الآخرين؛ والتساوي في الكرامة لجميع الناس؛ والسعي لإحلال السلام. وأتبعنا هذا بعقد المؤتمر الإسلامي الدولي الأول في تموز/يوليو في عمّان، الذي شارك فيه 180 من العلماء المسلمين البارزين من 45 بلداً، وأعادوا التأكيد على ما ورد في رسالة عمّان، واتخذوا إجراءات لإنهاء الإساءات لديننا. إن أصواتهم جزء من جهد عالمي ينهض به مسلمون معتدلون يتبعون الصراط المستقيم، لاستعادة الإسلام من القلّة التي تؤمن بالعنف والتي حاولت اختطافه.

إننا مستمرون بالعمل مع العلماء المسلمين والمنظمات الإسلامية والقادة المسلمين أصحاب الرؤية، أمثال الملك عبدالله، ملك المملكة العربية السعودية. كما أننا نخطط لمبادرات أساسية في التعليم والإستراتيجية الإعلامية. وكل هذا مهم لتحقيق مستقبل أفضل للعالم.

إن التقدم العالمي لا يحدث في فراغ، فالعدالة والسلام، والحرية والقيم الأخلاقية، ستشكّل البيئة الملائمة للتنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. وأنا أؤمن بالوصول إلى خواتيم واضحة للأمور: نتائج توفر للناس ما يحتاجونه. وهذا يتطلب منا جميعاً أن نعمل معاً. وبمشيئة الله سنتمكن من أن نجعل الوعد حقيقة.

وأشكركم شكراً جزيلاً.