خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة الأردني الرابع عشر

٢٨ تشرين ثاني ٢٠٠٦

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين،

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فباسم الله وعلى بركة الله، نفتتح الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة الرابع عشر، سائلين المولى عز وجل، أن يعيننا على حمل أمانة المسؤولية، ويوفقنا لخدمة شعبنا العزيز، وتحقيق آماله وطموحاته الوطنية والإنسانية النبيلة، واستكمال بناء الأردن العصري الحديث، الأردن العربي المسلم، الهاشمي الضمير والوجدان، الذي يستمد العزم والقوة، من مؤسساته الوطنية، وعزائم أبنائه الماضية، وإرادتهم الحرة، وانتمائهم المخلص الصادق، لتراب هذا الوطن العزيز ورسالته النبيلة، هذا الانتماء الذي تجذر في قلوبهم وضمائرهم، وتجسد في شعارهم الوطني، الأردن أولا وفي كل الظروف والأحوال.

إن هذا الحدث الدستوري الذي نشهده اليوم، هو عهد دائم لمسيرة الأردن الديمقراطية، التي نحرص على حمايتها وصونها، وفتح الآفاق أمامها، حتى تتجذر وتنمو في إطار دولة القانون والمؤسسات، وفي مناخ من قيم التسامح والحوار واحترام الرأي الآخر، وسيادة مبدأ العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص أمام جميع الأردنيين.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن التحديات الداخلية والخارجية من حولنا، كثيرة وخطيـرة، ولا بد من التصدي لها بمنتهى الجدية والمسؤولية، فلا مجال للتأجيل أو الترحيل أو التراخي في التنفيذ، ونحن على ثقة بأننا بعون الله، وبعزيمة النشامى الأردنيين، أقوى من كل هذه التحديات، ونحن قادرون على مواجهتها من خلال تعزيز وتمتين جبهتنا الداخلية، وتحقيق المزيد من الإنجازات في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتشريعية، التي تضمن سلامة المسيرة، وسرعة الإنجاز والتحديث والتطوير، في مناخ من الأمن والاستقرار الذي يشكل الركيزة الأساسية للتنمية بكل أشكالها. وفي هذا المجال، فإنني أؤكد على ضرورة إنجاز القوانين المعروضة على مجلسكم الكريم، وخاصة قوانين الأحزاب والبلديات والمطبوعات والنشر، وضمان حق الحصول على المعلومات.

والحمد لله على توفيـقه لنا في تحقيق التوافق الوطنـي، الذي تـجلى في أبهى الصور في ملتقيات "كلنا الأردن"، وما أسفرت عنه من برامج عمل واقعيه، واتفاق على الثوابت الوطنية، التي أجمع عليها الأردنيون من سائر الفئات والشرائح والاتجاهات. وعلى ذلك، فإن برنامج عمل الحكومة في المرحلة القادمة، سيقوم على عدد من هذه الثوابت الوطنية الراسخة، وفي مقدمتها تحسين الظروف المعيشية للأردنيين والأردنيات، وصون الحريات العامة، وتعزيز المشاركة الشعبـية، في اتخاذ القرارات، وخاصة مشاركة قطاعي الشباب والمرأة، والالتزام بمحاربة الفساد وسيادة القانون، وتعزيز استقلال القضاء، والشفافية والمساءلة والمحاسبة، والتركيز على تطوير الموارد البشرية، والاعتماد على الذات، وترسيخ أركان الاستقرار المالي والنـقدي. ولقد نجحنا والحمد لله، في الحصول على مساعدات من الإخوة في دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية، الذين كانوا وما زالوا يقدمون الدعم للأردن، ويقفون إلى جانبه، في كل الظروف والأحوال، ونحن نقدر لهم هذه المواقف الأخوية المشرفة، وهذا الدعم بكل الاعتزاز. ولذلك، فقد وجهت الحكومة عند إعداد الموازنة العامة لعام 2007، على أهمية شمولها للبرامج والمشاريع، التي تؤدي إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين في جميع المحافظات، وتعزيز المناخ الاستثماري وتحقيق العدالة، في توزيع مكتسبات التنمية.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تلتزم حكومتي بتعزيز وتمتين الجبهة الداخلية، وترسيخ مبادئ المواطنة والانتماء، والالتزام الواضح والصريح، بالثوابت الوطنية وبالنهج الديمقراطي، تحقيقا للتعددية السياسية، واحترام رأي الأغلبية. وستعمل الحكومة على تلبية كافة الاستحقاقات الدستورية والسياسية القادمة، وعلى رأسها إجراء الانتخابات النيابية، والعمل على حماية حقوق الإنسان الأردني، وضمان حرية الأفراد والجماعات، وتعزيز مشاركة الشباب، في مختلف مراحل العمل والبناء.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

ستعمل حكومتي على الارتقاء بمستوى الخدمات، وتشجيع الاستثمار، وتسريع عمليات التخاصية، وتحسين أوضاع سوق العمل. وستعمل حكومتي على بناء إطار مؤسسي استثماري، يضمن التنسيق بين الجهات الاستثمارية، ويدعم القطاعات الواعدة، وبخاصة السياحة والصناعة، وتكنولوجيا المعلومات والخدمات، على أن يكون للقطاع الخاص، الدور الأكبر في صياغة مختلف عمليات الإصلاح وتنفيذها. وستعمل حكومتي على الإسراع في تنفيذ برامج إعادة هيكلة القطاع العام، وتخليصه من البيروقراطية والروتين، وتوفير الحوافز والدعم، لرفع كفاءة هذا القطاع. أما في مجال مكافحة الفقر، فستعمل حكومتي، على إعادة تخصيص الموارد المالية، لتستهدف الفقراء مباشرة، وذلك من خلال هيئة التكافل الاجتماعي، لتنسيق جهود العون الوطني.

وسوف تكمل حكومتي بناء 1400 وحده سكنية، كنت قد أمرت ببنائها في السابق، وتوفير خمسة آلاف قطعة أرض مخدومة، وتخصيصها للعائلات الفقيرة خلال عام 2007. هذا بالإضافة إلى تأسيس مناطق اقتصادية تنموية، في عدد من المحافـظات، وتعزيز قدرات الهيئات المحلية والبلديات والقطاع التعاوني، لتـعزيز مساهمتها في التنمية المحلية.

إن ثروة الأردن الحقيقية، هي الإنسان الأردني، بما عرف عنه من قدرة على مواجهة التحديات وتحقيق الإنجاز. وعلى ذلك، ستواصل حكومتي العمل في برامجها للنهوض بمستوى التعليم والتدريب، وتحقيق التوازن بين مخرجات التعليم الأكاديمي والمهني، ومتطلبات الإنتاج والاقتصاد الوطني، هذا بالإضافة إلى العمل على توسيع مظلة التأمين الصحي، وإقامة العديد من المرافق الصحية الكبيرة في المحافظات.

أما قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، فهي درع الوطن والعين الساهرة على أمنه واستقراره، وهي موضع فخرنا واعتزازنا، وسوف تلتزم حكومتي، بتلبية كافة احتياجاتها، لتطويرها وتحديثها، وتزويدها بكل الوسائل والتجهيزات الحديثة، حتى تظل كما كانت على الدوام، مثالا في التميز والكفاءة، والقدرة على النهوض بواجباتها ومسؤولياتها الكبيرة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

لقد ورث الأردن، رسالة الثورة العربية الكبرى، وسيظل بعون الله، وفـيـا لهذه الرسالة، حريصا على النهوض بواجبه تجاه قضايا أمته العربية والإسلامية، وعلى هذا الأساس، تلتزم حكومتي بتقديم كل أشكال الدعم الممكن للأشقاء الفلسطينيين، من أجل استعادة حقوقهم، وإقامة دولتهم المستقلة على الأرض الفلسطينية، على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبادرات السلام العالمية، ولن يقبل الأردن بأي تسوية ظالمة لهذه القضية، ولا بأي تسوية تكون على حساب الأردن. وستستمر حكومتي في الوقوف إلى جانب الشعب العراقي الشقيق، وإلى جانب وحدة العراق وسيادته وأمنه واستقراره.

أما بالنسبة للتحديات الإقليمية، والظروف التي تمر بها المنطقة من حولنا، فقد سعى الأردن، منذ بداية ظهور هذه التحديات، وسيستمر في جهوده المخلصة، من أجل بلورة موقف عربي موحد، تجاه هذه التحديات، ومخاطبة العالم من حولنا، بلغة واحدة وموقف واحد. وإذا كان انتماؤنا القومي، يرتب علينا مسؤوليات تجاه أمتنا العربية، فإن الانتماء لعقيدتنا الإسلامية، وشرف الانتساب إلى الدوحة النبوية الشريفة، يرتب علينا مسؤوليات أكبر، تجاه ديننا الإسلامي الحنيف، وقضايا المسلمين في شتى أنحاء العالم، فنحن أولى الناس بالدفاع عن الإسلام، وتقديمه بصورته الحقيقية المشرقة للعالم من حولنا، ورفض كل الاتهامات وحملات التشويه، التي يتعرض لها على أيدي المتطرفين من بعض المسلمين وغير المسلمين، وقد كانت رسالة عمان التي أطلقناها من قبل خطوة في هذا الاتجاه.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

لقد أنجزنا خلال السنوات السبع الماضية، الكثير من الإنجازات، لكن الطريق أمامنا، ما زال طويلا، ولا بد لنا من العمل المخلص الجاد، حتى نحقق أهدافنا الوطنية، ونستكمل بناء الأردن العصري الحديث، دولة المؤسسات وسيادة القانـون والعدالة وتكافؤ الفرص والديمقراطية والأمن والاستقرار، وأنا واثق أننا بعزيمة الأردنيين والأردنيات، النشامى والنشميات، قادرون على تحقيق طموحات شعبنا المعطاء، وتجاوز كل التحديات والصعاب.

وأسأل المولى عز وجل أن يوفقنا جميعا لخدمة الأردن العزيز الغالي، فكلنا شركاء في تحمل المسؤولية وكلنا الأردن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته