خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الخامس عشر

٢ كانون أول ٢٠٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين،

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فباسم الله وعلى بركة الله نفتتح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الخامس عشر، وكلنا أمل وتفاؤل بهذا المجلس الجديد الذي يضم الكثير من الكفاءات الأردنية، التي تنضم إليه لأول مرة، والتي نرجو أن تكون إضافة نوعية تثري عمل هذا المجلس، وتعزز قدرته على العطاء والإنجاز من خلال العمل مع السلطة التنفيذية بروح الفريق الواحد، المتكامل؛ المؤمن بمسيرة هذا الوطن، والحريص على المشاركة فيها بمنتهى الإيجابية، والرغبة الصادقة في العمل والعطاء.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن المرحلة القادمة من مسيرة الأردن العزيز هي استمرار لعملية البناء والإصلاح والتحديث، وهي في غاية الأهمية لأنها حافلة بالتحديات والاستحقاقات المطلوب إنجازها. وهذا يستدعي العمل خلال السنوات الأربع القادمة على أساس من الشراكة الحقيقية والتعاون والتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى مبدأ الإلتزام بقرار الأكثرية واحترام رأي الأقلية، في إطار من العمل الجماعي المستند إلى الدستور نصا وروحا.

فالعمل العام لا مجال فيه للمصالح الشخصية أو الجهوية أو الحزبية أو العشائرية الضيقة. ومصلحة الوطن والمواطن يجب أن تكون فوق كل الاختلافات والاعتبارات. وعلى ذلك، فالهدف الأسمى للعلاقة بين السلطتين هو تحقيق أكبر قدر من المصلحة العامة، ومواجهة التحديات بكل أشكالها: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لتوفير أسباب الحياة الكريمة للمواطن، وتحقيق التنمية الشاملة التي تضمن المستقبل المشرق لهذا الوطن.

وقد حدد الدستور المهمات والمسؤوليات لكل من السلطة التنفيذية والتشريعية، وحدد آلية العمل، وطبيعة العلاقة بينهما، بحيث تكون السياسات التنفيذية، والعملية التشريعية حلقة من العمل المتجانس والمتكامل، مع التأكيد على ترسيخ حق السلطة التنفيذية في تحقيق تطلعات واحتياجات شعبنا في مختلف المجالات والميادين، وحق السلطة التشريعية في الرقابة والمساءلة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن رؤيتنا لمستقبل الأردن، واضحة وطموحة، وعمادها الإصلاح والتحديث بكافة أشكاله: السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وصولا إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو تحسين مستوى معيشة المواطن وتوفير كل أسباب الحياة الكريمة لكل أسرة أردنية، وهذا واجب علينا جميعا: أنا والحكومة، وأنتم مجلس الأمة. وأكرر مرة ثانية، المطلوب هو تحسين مستوى معيشة المواطن، وهذا بالنسبة لنا نهج نلتزم به في الحكم والإدارة، وليس مجرد شعار يتغنى به البعض للوصول إلى أهداف مرحلية أو آنية معزولة.

وعند الحديث عن الإصلاح السياسي، فإن أول ما نريد التأكيد عليه هو أهمية العمل على ترسيخ الوعي بالثقافة الديمقراطية، وتطوير الحياة الحزبية، لتمكين المواطن الأردني من المشاركة الحقيقية في صنع القرار، على أن تكون النوايا مخلصة للوطن والمحافظة على الثوابت الوطنية والدفاع عنها، وليس أداة لأجندات خارجية. وهذا يستدعي ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، على أساس الكفاءة والإنجاز، وتعميق هذه المبادئ والمفاهيم في ثقافتنا الوطنية، والانتقال بها من إطار القول والشعارات إلى واقع العمل بعيدا عن التشكيك وتسجيل المواقف.

أما في الجانب الاقتصادي، فإن من أهم أولويات المرحلة القادمة العمل على زيادة نسبة النمو الاقتصادي، وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي، ومعالجة مشاكل المديونية، وترشيد الإنفاق، والاعتماد على مواردنا الذاتية، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الوطنية، والبناء على ما حقق الأردن من منجزات، وما ارتبط به من اتفاقيات اقتصادية عربية وإقليمية ودولية، ليكون الأردن مركزا اقتصاديا، وقبلة للمستثمرين.

وأما الجانب الاجتماعي، فإن رؤيتنا له تركز على زيادة دخل المواطن الأردني في مختلف الشرائح زيادة تكفل له ولأسرته العيش الكريم، وعلى التوزيع العادل لعوائد التنمية، من خلال المشاريع الاقتصادية التي تراعي التوزيع الجغرافي والسكاني وخصوصيات المحافظات، بالإضافة إلى تأمين كل مواطن بمستوى جيد من الخدمات الحياتية والأساسية، وتقليص الفجوة في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية بين العاصمة والمناطق الريفية والبادية والمخيمات.

وقد لاحظت في السنوات السابقة أن الحكومة لم تنفذ كل المشاريع والخطط المطلوبة منها، بالرغم من وجود التمويل اللازم لهذه المشاريع. وبالمقابل، كان مجلس النواب يعيق عمل الحكومة بسبب التأخير في إنجاز القوانين والتشريعات الضرورية لتنفيذ خطط الحكومة ومشاريعها. وإنني على يقين، بأن الشراكة بين مجلسكم الكريم والحكومة هي الضمان لتحقيق الإنجازات التي نتطلع إليها لمستقبل الأردن.

ونحن ندرك أن النهوض بالأردن وتمكين المواطن الأردني من المشاركة في مسيرة التنمية، وتحسين مستوى حياته يحتاج إلى الكثير من التشريعات والقوانين، التي لا بد من إنجازها لتنفيذ السياسات والخطط الضرورية لتحقيق التنمية المنشودة.

ومن أهم هذه التشريعات التي يجب أن تكون في مقدمة الأولويات في هذه الدورة البرلمانية: التشريعات الخاصة بتعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة، مثل ديوان المظالم، والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، والمرأة، والطفل، وحماية الشباب والأحداث، والقوانين المتعلقة بتشجيع الاستثمار والإصلاح الضريبي.

ويوازي هذه التشريعات في الأهمية، مهمات تنفيذية في عدد من القطاعات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي تلتزم الحكومة بالعمل على التخطيط لها، وتنفيذها على أحسن وجه. وهنا فإننا نحترم ونقدر دور مجلس الأمة في الرقابة على الحكومة، ومتابعة سير العمل في تنفيذ المشاريع والخطط والأجندة الوطنية.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

تلتزم حكومتي بالعمل خلال الأشهر القادمة على توفير شبكة للأمان الاجتماعي تحمي الفقير، هذا بالإضافة إلى توسيع مظلة التأمين الصحي، وتفعيل الرقابة على جودة المنتجات الغذائية والأدوية والمياه للحفاظ على صحة وسلامة المواطن. وهذا كله، يرتبط بقناعتنا بأن العلم والتعليم، وتسليح المواطن بالمعرفة والخبرات والمهارات وتأهيله لدخول سوق العمل حق لكل مواطن.

وقد وجهت حكومتي بأن يكون عام 2008، بإذن الله تعالى، عاما لمشاريع الإسكان، لتأمين ذوي الدخل المحدود وموظفي القطاع العام والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية بالسكن الكريم، تقديرا لجهودهم في بناء الوطن، وحماية مسيرته ومنجزاته. وإنني ومن على هذا المنبر الديمقراطي، أدعوكم - السلطة التشريعية والتنفيذية - للبدء بإجراء حوار إيجابي حول قانون المالكين والمستأجرين للخروج بحلول عملية، تراعي تحقيق الأمن الاجتماعي والعدالة ومصالح الجميع: مالكين ومستأجرين.

أما تنويع مصادر الطاقة وترشيد الاستهلاك فهو من الخيارات الإستراتيجية، التي سنمضي بها حتى لا يبقى الوطن والمواطن رهينة لأسواق النفظ وعدم استقرار الأسعار.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

بما أن العدل هو أساس الحكم، فإننا نؤكد عزمنا على الاستمرار في تعزيز استقلال القضاء لتحقيق العدل بين الناس وسيادة القانون على الجميع، وبلا استثناء.

ولأن الشباب هم مستقبل الأردن، فإننا نؤكد على الاستمرار في رعايتهم، وفتح المجال أمام طاقاتهم وإمكانياتهم، لتعزيز مشاركتهم في الحياة العامة، وتمكينهم من المساهمة في بناء وطنهم.

أما حرية الصحافة والإعلام، فإننا نؤكد من هنا - من بيت الديمقراطية - التزامنا بصونها وحمايتها، لتكون عين الرقيب، الكاشفة للحقيقة على أسس مهنية وموضوعية وبروح الحرية المسؤولة، على أن تكون أردنية الانتماء وطنية الأهداف والرسالة. وقد كفل الدستور حرية الرأي والتعبير ومن غير المقبول أن يسجن الصحفي بسبب خلاف في الرأي على قضية عامة، ما دام هذا الرأي لا يشكل اعتداء على حقوق الناس أو حرياتهم أو أعراضهم أو كرامتهم.

أما قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية، فهي رمز القوة، والأمن والاستقرار لهذا الوطن. وهي التي تحمي مسيرته ومنجزاته، وهي شريك في عملية البناء والتنمية. وسنعمل بأقصى طاقاتنا للإستمرار في تحديث قدراتها وإمكانياتها، وتزويدها بكل ما تحتاج إليه من أحدث الأسلحة والتدريب والإعداد حتى تظل كما كانت على الدوام مثالا في الكفاءة والاقتدار.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن الأردن القوي؛ المنيع المزدهر، هو القادر على دعم ومساندة الأشقاء، سواء في فلسطين أو العراق. ومن على هذا المنبر، ومن رحاب مجلس الأمة، نوجه لهم النداء وباسم الأخوة ورباط العقيدة والقومية، وندعوهم إلى تجاوز خلافاتهم وتوحيد صفوفهم في مواجهة الفتنة وإعتماد الحوار وسيلة للتفاهم وتسوية الخلافات.

أما فيما يتعلق بالعملية السلمية في المنطقة، فإن الأردن متمسك بخيار السلام العادل والشامل الذي عمل من أجله الراحل الكبير الحسين طيب الله ثراه، حتى تنعم شعوب المنطقة وأجيالها القادمة بالأمن والاستقرار، بعيدا عن ويلات الصراع والحروب وآثارها المدمرة.

ومن هنا فإننا نؤكد للإسرائيليين، أن إنهاء إحتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، والانسحاب منها وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل، وضمان مستقبل آمن لشعوب المنطقة وأجيالها القادمة.

كما نقول للأشقاء الفلسطينيين، إن القوة في الوحدة، والضعف في الفرقة. فوحدوا صفوفكم واغتنموا الفرصة المتاحة لتحقيق السلام، وإقامة دولتكم المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن الأردن مصمم على الاستمرار في دوره الشرعي والتاريخي لمواجهة حملة التشويه التي تستهدف ديننا الحنيف، ورفض كل أشكال التطرف والعنف والفكر التكفيري، وتقديم الصورة الحقيقية للإسلام دين الوسطية والإعتدال والتسامح، فقد قال تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"، صدق الله العظيم. وسوف نتصدى لكل من يحاول اختطاف الدين أو احتكار الفتوى لأغراض سياسية أو حزبية بهدف الاستقواء بالدين على الآخرين لأجندات خاصة أو مشبوهة، وذلك من خلال إحياء دور المؤسسات الدينية التاريخية، وتمكين العلماء الثقات من القيام بدورهم في تفعيل مبدأ الاجتهاد والفتوى، لاستيعاب المستجدات الاجتماعية، والسياسية والفكرية والعلمية، في هذا العصر وتشكيل ضمير الأمة وثقافتها الإنسانية، مع الحفاظ على جوهر العقيدة ورسالتها العظيمة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن المسؤولية التي تحملونها كبيرة، وإن التصدي للعمل العام تكليف لا تشريف، وإن أمامكم أربع سنوات من العمل وهي تكفي لإنجاز الكثير الكثير. وهي أمانة عندكم، وأنتم إن شاء الله أهل للأمانة. والأردن العزيز، يستحق منا جميعا أن نعمل من أجله بمنتهى الإخلاص والانتماء.

وأسأل المولى عز وجل أن يوفقنا جميعا لخدمة هذا الوطن، وتحقيق طموحات شعبنا الخير المعطاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمان،
الأحد 22 ذو القعدة 1428 هجرية
الموافق 2 كانون الأول 2007 ميلادية