مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة القدس العربي

٨ نيسان ١٩٩٩

يعيش الاردن حاليا حالة من الانتظار.. ويتفق الجميع فيه (حكومة ومعارضة) على تجميد الخلافات وابداء كل رغبة ممكنة في التعاون لاخراج البلاد من ازمتها الاقتصادية.. وتعزيز استقرارها، ولهذا لم يكن مفاجئا ان تفوز حكومة السيد عبد الرؤوف الروابدة بأغلبية قياسية في التصويت على الثقة في البرلمان وتحصل على 66 صوتا. ويعترف جلالة الملك عبد الله بان التحدي الاكبر الذي يواجه عهده الجديد، هو تحد اقتصادي بالدرجة الاولى، وقال في لقاء خاص لصحيفة القدس العربي... ان الاشهر الستة المقبلة حاسمة للغاية، وان الاولوية ستعطى للاقتصاد وكيفية توفير فرص عمل للمواطن وتلبية احتياجاته...

وجلالة الملك الذي التقانا في باب السلام ظهر امس، كان هادئا واثقا من نفسه، متواضعا في مسلكه، وهو تواضع يحمل الكثير من صفات والده الراحل، يعرف اولوياته جيدا ـ مثلما يعرف طبيعة المهمة التي تواجهه.

كان عائدا لتوه من زيارة الى المملكة العربية السعودية اجمع كل المسؤولين الذين رافقوه خلالها على انها كانت ناجحة للغاية، حيث ابدى المسؤولون السعوديون كل حرص ممكن على التعاون في مختلف المجالات.

وقال جلالة الملك: نحن في علاقاتنا الخليجية ننطلق من مفهومنا لظروف هذه الدول الراهنة والمالية منها بالذات. ولذلك لم نطلب مساعدات او منحا مالية وانما نتطلع الى تعاون اقتصادي حقيقي يفيد مصالح الجانبين مثل فتح الابواب امام العمالة الاردنية، وهي عمالة كفؤة وخبيرة، وفتح الاسواق امام البضائع والمنتوجات الصناعية والزراعية الاردنية.

واكد جلالة الملك: اننا لن نقيم علاقات مع بلد عربي على حساب بلد اخر. ونتطلع الى علاقات جيدة مع الجميع على اساس المصالح المشتركة. ولهذا سأقوم في الايام القليلة المقبلة بزيارات رسمية الى سوريا وليبيا وسلطنة عمان ودولة الامارات العربية المتحدة وقطر.

وحرص جلالة الملك طوال المقابلة على التأكيد: ان الاردن لن ينجر الى اي نوع من انواع التدخل العسكري او السياسي في العراق. وقال: نحن في الاردن في بداية عهد جديد. ونعطي اولوية لاوضاعنا الداخلية وترتيب بيتنا وتعزيز الوحدة الوطنية.. ولذلك لا نطمح لاي دور اقليمي في العراق، او غيره.. واوضحنا هذه المسألة لجميع المسؤولين الخليجيين الذين التقيناهم.. وما يهمنا في الاردن هو عراق موحد مستقر دون اي معاناة لشعبه.. وان الاراضي الاردنية لن تكون منطلقا لاي عمل عسكري عدائي ضد العراق.. ولا يوجد حاليا اي نشاط سياسي او اعلامي للمعارضة العراقية في الاردن.. وتتناول الصحف الاردنية الشأن العراقي بطريقة اقرب الى الحياد، وان كانت هناك بعض المقالات التي ما زالت تبدي تعاطفا كبيرا تجاه الشعب العراقي.. وتطالب برفع الحصار عنه.. وتحذر من مؤامرات امريكية لتقسيم البلاد.. كما ظهرت مقالات تشيد بالمملكة العربية السعودية ودورها في خدمة القضايا العربية والاسلامية.. وتبرز نقاط الالتقاء المشتركة بينها وبين الاردن.. وهي كتابات غير معهودة في الصحف الاردنية.

وابدى جلالة الملك ارتياحا كبيرا لعلاقات بلاده المتطورة مع مصر.. وقال: ان التنسيق بين البلدين في ذروته في مختلف المجالات، واشاد بالعلاقة الشخصية والعائلية التي تعمقت بينه وبين الرئيس المصري حسني مبارك في الايام الاخيرة، ومن خلال اللقاءات التي جمعت بينهما في شرم الشيخ.

ولم يخف جلالة الملك اعجابه الشديد ببشار الاسد نجل الرئيس السوري.. وقال انه في بداية اللقاء معه في عمان عندما زارها لتقديم واجبات العزاء، كان متحفظا بعض الشيء.. ولكن بعد ذلك تحدث عن رؤيته لمستقبل سورية وكانت رؤية تحديثية وعصرية تستوعب التغيرات السياسية والاستراتيجية الحالية التي تسود العالم.

وحرص جلالة الملك اكثر من مرة خلال اللقاء على التأكيد بان العلاقات بين الاردن واسرائيل لن تكون مطلقا على حساب العلاقات مع الدول العربية.. وخاصة سورية والعراق ومصر.. علاوة على فلسطين.. وقال: ليست لي أي مشكلة مع اي بلد عربي.. ونحن في العهد الجديد نفتح صفحة بيضاء مع الجميع على اساس الاحترام المتبادل.. والاردن عربي اولا واخيرا ولا يمكن ان يخرج من جلده.

وينتظر الاردن كغيره من الدول العربية المجاورة نتائج الانتخابات الاسرائيلية المقبلة لما يمكن ان يترتب عليها من انعكاسات سياسية واقتصادية.

وقال جلالة الملك عبد الله: اتفقت مع الرئيس ياسر عرفات بعدم السماح لاي طرف ثالث بالدخول بيننا او محاولة اللعب على اي تناقضات قد تنشأ، وان يظل الاتصال مباشرا بيننا للتشاور حول كل صغيرة وكبيرة، وازالة كل سوء فهم يمكن ان ينشأ.

وعندما سألناه عن رأيه في مسألة الكونفدرالية التي تحدث عنها الرئيس عرفات مؤخرا، قال: نحن في الاردن ابوابنا مفتوحة لكل صيغة تعاون ممكنة مع الفلسطينيين، ولكن بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وانتهاء مفاوضات المرحلة النهائية.

وكرر اكثر من مرة ان الاردن سيكون مساندا وداعما للطرف الفلسطيني في مفاوضات المرحلة النهائية.. وسيضع كل خبراته وامكانياته تحت تصرفه.

واعرب اكثر من مسؤول اردني عن دهشته من تصريحات الرئيس الفلسطيني حول الكونفدرالية، وما تردد عن اتفاق توصل اليه مع جلالة المغفور له الملك حسين حولها، وقالوا انهم فوجئوا بمثل هذه التصريحات وتوقيتها، اي بعد ايام من وفاة العاهل الراحل، وقال احدهم: كيف يمكن ان نعرف الان ما اذا كان هناك اتفاق مع جلالة الملك حسين حولها وبعد وفاته.

ويتطلع جلالة الملك الى تعاون اقتصادي افضل مع الغرب، وقال انه ينتظر اجتماع مجموعة الدول السبع الكبرى في اوائل هذا الصيف وما يمكن ان يتمخض عنه من قرارات، واعرب عن امله بالغاء نسبة كبيرة من ديون الاردن لان هذا القرار سيساعد في تخطي الازمة الاقتصادية الراهنة.

وكان جلالة الملك عبدالله اثناء الحديث يرتدي بزة زرقاء، وكان ودودا لم تفارق البسمة محياه، وكان لافتا اطلاقه العنان لشعر لحيته، فبدت ملامحه قريبة جدا من ملامح والده الراحل، وقد تحدث بالعربية بلكنة اردنية واضحة طوال اللقاء الذي حضره السيد عبد الكريم الكباريتي رئيس الديوان الملكي الهاشمي.

ويعتقد الكثير من السياسيين الاردنيين ان عهد جلالة الملك عبدالله سيكون عهدا مختلفا يحمل سمات جلالته ورؤيته ولن يكون متطابقا في تفاصيله مع عهد جلالة والده الراحل، وان كان سيلتقي معه في بعض الخطوط العامة، وخاصة مسألة، التوازن/ في العلاقات، سواء في الداخل او مع دول الجوار.

وعندما سألناه عما اذا كان جلالة والده الراحل قد اوصاه ببعض الخطوات السياسية المحددة، قال وقد بدا عليه التأثر: لم يسعفني الحظ ان اكون الى جانب والدي لفترات طويلة قبل وفاته، ولكنني كنت الى جانبه لاكثر من عشرين عاما وتعلمت منه الكثير الكثير.. فقد كان ابا ومعلما.. ولكن في لحظاته الاخيرة نظر إلي نظرة طويلة، وقال لي .. يا عبدالله انت تملك قلبا انسانيا كبيرا.. واتبع قلبك دائما فانه سيصدقك.