مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة أنباء شيَنْخوا الصينية

٢٩ تشرين أول ٢٠٠٧

شيَنْخوا: صاحب الجلالة، ستزورون الصين قريباً. ما هي توقعاتكم والهدف الرئيسي لهذه الزيارة؟ إنها المرة الخامسة التي تزورون فيها الصين. هل يمكن أن تصفوا لنا انطباعكم عن هذا البلد؟ وما الذي ترك الأثر الأكبر خلال هذه الزيارات جميعها؟

جلالة الملك: إنني أتطلع، أولاً وقبل كل شيء، إلى الاجتماع مع فخامة الرئيس هو جِينْتاو، والعديد من المسؤولين في الحكومة، ودولة السيد وِنْ جياباو. وأحد الأمور التي أرغب في مناقشتها مع الرئيس وفريقه هو أهمية التركيز على إقامة علاقة استراتيجية بين الصين، والأردن، والشرق الأوسط الأوسع. فنحن نعيش لحظةً يُعتبر فيها بناء شراكات عالمية واسعة وممتدة أمراً أساسياً مهما كي تتمكن الدول النامية من النجاح في جهودها؛ وأنا أرى مجالاً رحباً أمامنا للعمل معاً لمصلحة تعزيز جهودنا التنموية وأمننا المشترك.

وكما لاحظتم، قمت بزيارة الصين عدة مرّات منذ أن تسلمت مسؤولياتي، وفي كل مرّة أزور فيها بلدكم تُبْهرني التغيرّات التي أراها ووتيرة التقدّم المتسارعة. وهذا النظام والتركيز اللذان ميّزا مسيرة التنمية في الصين يحظيان بإعجاب كبير في هذا الجزء من العالم الذي أنتمي إليه.

شيَنْخوا: تصادف هذا العام الذكرى الثلاثون لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الأردن والصين. هل لكم بتعليق عام على العلاقة بين البلدين. وكيف ترون إمكانية تطور هذه العلاقة والتعاون بين الجانبين في جميع المجالات؟

جلالة الملك: نعم، إن هذه السنة تمثل حدثا مهما في علاقتنا، وسنحتفل بهذه الذكرى أثناء زيارتي لبلدكم. نحن في الأردن مسرورون لأن الروابط بيننا، وبخاصة في السنوات الأخيرة نمت بصورة أكثر دِفْئاً وعمقاً في كل مجال تقريباً، وأعتقد أن هذه الزيارة ستؤدي إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الجديدة التي تعكس الزخم المتنامي في علاقتنا. وما علمته هو أن الهيئة العامة للاستثمار في الأردن ستفتتح مكتباً لها في بكين، وأننا سنشهد قريباً في الأردن افتتاح بنك الصين للتنمية، وهذا الأمر دليل عن الحيّز المتاح للتعاون في العديد من المجالات، وخاصة بين القطاعين الخاصين في البلدين.

ولا بدّ من أن أضيف أن الصين واحدة من أهم شركاء الأردن في التنمية، ونحن ممتنون إلى درجة كبيرة للدعم والتعاون الصيني في ميادين متنوعة مثل تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي الواقع، وبالرغم من اختلاف حجم بلدينا، فإننا نشترك في العديد من التحدّيات والهموم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والطاقة، وقضايا التجارة، والعديد غيرها. وهذه مجالات يمكننا فيها أن نتشارك في ما لدينا من معارف، وأن يدعم واحدنا الآخر تنموياً.

وإضافة إلى كَوْن الصين أنموذجاً تنموياً يُحْتذى في نظر الكثيرين في الشرق الأوسط، فإن لها مكانة عالمية تَحْظى باحترام كبير هنا، كما نثمّن عالياً الدور الذي تقوم به بلدكم في العمل على تقدّم مسيرة السلام والأمن في منطقتنا وما يتجاوزها. وهكذا فإننا نشتركُ أيضاً في بعض القيم الأساسية عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن، وخاصة مكافحة الإرهاب، وما يساورنا من هموم حول انتشار الأسلحة النووية، على سبيل المثال.

ولذا فإنني أؤمن بصورة أساسية بأن هناك مجال لمد جسور جديدة تؤدي إلى علاقة أكثر شمولاً، بين الأردن والصين؛ وفي الواقع، إلى علاقة استراتيجية أوسع بين العالم العربي والصين.

شيَنْخوا: خصصتم جلالتكم، خلال زيارتكم إلى الصين في عام 2004، بعض الوقت لمشاهدة مباريات بطولة آسيا في كرة القدم التي شارك فيها المنتخب الوطني الأردني. ويبدو أنكم تستمتعون بمشاهدة الأحداث الرياضية. ما هو اقتراح جلالتكم وتوقعاتكم بالنسبة للدورة التاسعة والعشرين للألعاب الأولمبية التي تقام في بكين في العام القادم؟

جلالة الملك: إنني أتطلع دائماً بشغف لكل دورة للألعاب الأولمبية باعتبارها حدثاً لإبراز التميّز الرياضي في العالم؛ ولكنني أعتقد أن العام المقبل سيشهد الكثير من الإثارة في أنحاء العالم لمجرّد أن الصين تستضيف هذه الألعاب. فالملايين من الناس يقرأون في كل يوم عن النمو والتقدّم غير العاديين في الصين، وبالنسبة للعديد من الناس فإن الألعاب الأولمبية ستكون نافذة يطلّون منها على الصين، وثقافتها، وإنجازاتها المعاصرة في مجالات كثيرة. وليس لديّ شك في أن الصين ستجعل من الألعاب الأولمبية القادمة واحدةً من المناسبات التاريخية التي ستبقى ذكراها ماثلة في الأذهان أكثر من غيرها.

شيَنْخوا: بحسب معرفتنا، فإن إحدى شقيقات جلالتكم كانت تدرس اللغة الصينية والأدب الصيني في جامعة فودان في شنغهاي. هل كان هذا باقتراح من جلالتكم؟ ولم اقترحتم عليها القيام بهذا؟

جلالة الملك: شقيقتي الأميرة راية لديها اهتمام باللغات والثقافات الشرقية، مثل جميع أفراد أسرتي، وهي تقدّر قيمة الحوار ما بين الثقافات. كما أنها منخرطة بدرجة كبيرة في مد جسور التفاهم بين الأردن والصين على المستويات الأكاديمية والثقافية والاجتماعية.

شيَنْخوا: لقد قلتم دائماً يا صاحب الجلالة إن المشكلة المحورية في الشرق الأوسط هي النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. هل تذكر لنا، في هذا المجال، جهود الأردن النَشِطة في بناء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وما هي آراؤكم وتوقعاتكم فيما يتصل بالمؤتمر القادم للسلام في الشرق الأوسط؟

جلالة الملك: إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل الآمنة هو المفتاح للاستقرار والأمن الإقليميين. ونحن نحاول أن نقوم بدور بنّاء حيثما استطعنا. وقد انضممنا، هذا العام على سبيل المثال، إلى الدول العربية الأخرى في إعادة تأكيد التزامنا بمبادرة السلام العربية إطارا لاستئناف المفاوضات. كما عملنا أيضاً مع الدول العربية لحشد الدعم لهذه المبادرة في الدول الإسلامية، وأود أن أضيف أننا حققنا نجاحاً كبيراً في هذا السياق. ونحن كذلك على اتصال بصورة مُنتظمة مع الدول المَعْنية مباشرة بالعملية السلمية، وخاصة أعضاء اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، لحثّهم على دعم العملية وتسليط الضوء على المخاطر التي تواجه الأمن والاستقرار العالميين إذا ما سُمح لهذا النزاع أن يستمر لفترة أطول. كما أننا نتواصل مع نشطاء السلام في المناطق الفلسطينية وفي إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وذلك لتشجيعهم على حثّ المسؤولين للبحث عن تسوية من خلال المفاوضات. وهنا أقول أن عليهم العمل حتى يُسمع صوتهم وحتى تتكون لدى قادتهم الثقة بأن عليهم أن يمضوا إلى الأمام وأن يتخذوا قرارات جريئة، دون أن يلتفتوا إلى محاولات الترهيب من قبل أصحاب الأجندات المتطرفة.

واسمحوا لي أن أضيف أن هذا الأمر بالغ الأهمية بصورة خاصة الآن، لأن اللقاء الدولي للسلام الذي ستستضيفه الولايات المتحدة الأميركية يوفر فرصة مهمة. والمجتمع الدولي يعمل بصورة جادة كي يضمن حدوث هذا. لقد كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة قبل فترة وجيزة، كما كان في زيارة المنطقة السيد توني بلير، الذي هو الآن مبعوث اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط. وهما يحاولان تقريب وجهات النظر بين الفريقين. ونحن نقدّر ما يقومان به؛ وما نسمعه من الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، واللجنة الرباعية، يقدم لنا سبباً للتفاؤل. وما نأمله أيضا هو أن يكون للاجتماع الدولي نتائج ملموسة، وهنا أعني اتفاقاً من حيث المبدأ على قضايا الوضع النهائي يساعد على وضع أجندة للمفاوضات ضمن أطار زمني واضح. وهذا الأمر سيقنع الناس في المنطقة بأن الأطراف المعنية ملتزمون بصورة جادة بالسلام، وأن هناك نهاية مُرتقبة لهذا النزاع.