مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الصين الشعبية

٣٠ تشرين أول ٢٠٠٧

الصين الشعبية: تكتسب زيارة جلالتكم للصين أهمية كبيرة. لذا، أين تكمن أهميتها في تطوير العلاقة بين الأردن والصين؟ وما هي الموضوعات التي ستبحثونها مع القادة الصينيين؟ وكيف تقيمون الواقع الحالي والمستقبلي للعلاقات الأردنية - الصينية؟

جلالة الملك: لقد قمت بزيارة الصين بصورة منتظمة منذ أن تسلمت مسؤولياتي عام 1999، وأشعر بالإعجاب في الخطوات الكبيرة التي تخطوها بلدكم في مجال التنمية من سنة لأخرى. وقد زارت زوجتي الملكة رانيا الصين أيضاً في الشهر الماضي، وعادت وهي معجبة بما شاهدت هناك. ومثل العديدين في المنطقة العربية، نحن نثمّن ونحترم الصين باعتبارها أنموذجاً للتنمية، ونقدر دور الصين المهم قوة عالمية على المستويين السياسي والاقتصادي.

كما أن لزيارتي هذا العام أهمية خاصة، لأننا نحتفل خلالها بالذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات بين بلدينا وهي علاقات متميزة بالفعل، وأعتقد أن لدينا اليوم فرصة جديدة للبناء عليها للوصول إلى علاقة أكثر شمولية بين الصين والأردن ضمن الأهداف المُشْتركة التي تشمل الطاقة، وقضايا التنمية، وتوسيع الروابط التجارية، وتبادل المعرفة. إن الصين بلد يحظى بالكثير من الاحترام في العالم العربي، كما أننا ننظر للصين على أنها نموذج للتنمية الاقتصادية الناجحة. وكل هذه العوامل يمكن أن تشكّل أساساً لعلاقة استراتيجيّة تؤمّن لشعبينا صوتاً مسموعاً على المسرح العالمي وفرصاً جديدة لبناء مستقبل أبنائها.

الصين الشعبية: لقد قام الأردن دائماً بدور مهم في عملية السلام في الشرق الأوسط. ما هي الجهود التي سيبذلها الأردن في المستقبل لحلّ القضية الفلسطينية؟

جلالة الملك: كما تعلمون، نتطلع نحن في الأردن لرؤية حلّ شامل وعادل للنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهذا يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، تعيش جنباً إلى جنب بسلام مع إسرائيل آمنة. ونحن على إستعداد لمساعدة الطرفين على التحرّك في هذا الاتجاه في أي وقت نعتقد أنه يمكننا القيام بدور إيجابي. فخلال هذا العام، قمنا مع الدول العربية الأخرى بإعادة تأكيد التزامنا بمبادرة السلام العربية إطارا لاستئناف مفاوضات السلام. كما عملنا أيضاً مع الدول العربية الأخرى لحشد الدعم لهذه المبادرة لدى الدول الإسلامية، وأضيف هنا أننا حققنا نجاحاً بارزاً في هذا السياق. كما أننا على اتصال بصورة منتظمة مع الدول المَعْنية مباشرة بالعملية السلمية، خاصة أعضاء اللجنة الرباعية للشرق الأوسط لحثّهم على دعم العملية السلمية وتسليط الضوء على المخاطر التي سيتعرض لها أمن العالم واستقراره إذا ما سُمح لهذا النزاع في الإستمرار. وهناك جزء آخر من جهودنا لحل النزاع يتمثل في الوصول إلى داعمي السلام في الأراضي الفلسطينية وفي إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. إنني على يقين أن غالبية الناس في طرفي النزاع يدعمون التوصّل إلى تسوية عبر المفاوضات. وعليهم أن يسمعوا أصواتهم كي يتحلّى قادتهم بالثقة التي يحتاجونها للمضي قدما واتخاذ قرارات جريئة، دون أن يخضعوا للترهيب على يد أصحاب الأجندات المتطرفة. وهذا هام بصورة خاصة الآن، ونحن نتوقع انعقاد اللقاء الدولي للسلام في مدينة أنابوليس في الولايات المتحدة الأميركية.

الصين الشعبية: ما هو رأي جلالتكم في الوضع الحالي في فلسطين؟

جلالة الملك: كما تعلم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لاستضافة اللقاء الدولي للسلام في مدينة أنابوليس في المستقبل القريب وهذا يوفر فرصة مهمة جديدة. كما كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية كونداليزا رايس في المنطقة، وزار المنطقة أيضاً السيد توني بلير. وهما يحاولان المساعدة في تقريب وجهات النظر بين الجانبين. لقد حصلنا أيضا على تطمينات مما سمعناه حتى الآن من المجتمع الدولي، ونحن نقدّر إلى درجة كبيرة انخراط المجتمع الدولي ومشاركته الفاعله. وما نحن بحاجة إليه الان هو أن يواصل الفلسطينيون والإسرائيليون إتخاذ الخطوات التي ستساعد في بناء الثقة في عملية السلام والتي ستمنح القادة التفويض كي ينهضوا بمسؤولياتهم في القيام بما هو مطلوب. وهذا صحيح بصورة خاصة في الأراضي الفلسطينية حيث هناك حاجة إلى وقف بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي. وعلى الفلسطينيين أن يكونوا قادرين على إعادة بناء حياة اقتصادية تخفّف من معاناتهم اليومية. برأيي، هذه هي الخطوات الأولى لضمان نجاح المؤتمر. ونعني هنا التوصّل إلى اتفاقية من حيث المبدأ حول قضايا الوضع النهائي تضع الأجندة المطلوبة للمفاوضات وتحدّد إطاراً زمنياً واضحاً. جميع هذه الأمور ستقنع الناس في المنطقة بأن الأطراف المعنية ملتزمة بصورة جادّة بالسلام، وأن ملامح نهاية هذا النزاع تلوح في الأفق.

الصين الشعبية: ما هو رأي جلالتكم في المسألة النووية الإيرانية؟

جلالة الملك: إن موقف الأردن واضح. فنحن ندعم بقوة الحل السلمي فيما يتصل بقدرات إيران النووية، ومنطقتنا لا تستطيع ببساطة تحمّل نزاعٍ آخر. كما أن الأردن في مقدمة دول الشرق الأوسط التي تنادي بإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وبشفافية في التعامل مع القضايا النووية وفق القانون الدولي.

الصين الشعبية: ما هو رأي جلالتكم في القضية العراقية؟

جلالة الملك: إننا قلقون جدا لما يجري في العراق، من معاناة رهيبة تهدد بزعزعة استقرار منطقتنا. ونحن ملتزمون في الأردن باستقرار العراق وأمنه ووحدة أراضيه. وقد شجّعنا الحكومة العراقية على إطلاق وتأييد عملية سياسية شاملة تجمع جميع مكونات الشعب العراقي الاجتماعية والدينية المتنوعة، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق تلك الأهداف. إن العراق بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي حتى يتمكن من القيام بهذا، ولهذا سرّنا ردّ الفعل الذي شهدناه قبل فترة وجيزة من المجتمع الدولي، والذي جرى التعبير عنه من خلال الأمم المتحدة، للقيام بدور داعم بدرجة أكبر. وانطلاقاً من هذا، فإننا بحاجة إلى أن نرى التزاماً أكبر باحترام سيادة العراق من بعض الدول في المنطقة.

الصين الشعبية: برأي جلالتكم، ما الذي يتوجب على الصين أن تقوم به في عملية السلام في الشرق الأوسط، والشؤون شرق الأوسطية الأخرى؟

جلالة الملك: الصين تقوم فعلاً بدور مهم في دعم العملية السلمية باعتبارها عضواً دائما في مجلس الأمن وبصفتها قوة عالمية وجار آسيوي يحظى بالاحترام والثقة. ونحن نقدّر الجهود التي تبذلها الصين، بما في ذلك تسمية مبعوث خاص للشرق الأوسط، وإرسال مراقبين إلى لبنان، والحرص على أن يكون للصين حضور في دارفور تحت رعاية الأمم المتحدة. ونحن نتطلع إلى استمرار الصين في دورها القيادي في هذه المجالات. فلدى الصين مخزون عظيم من المصداقية في المنطقة، وآمل أن نتمكن، من خلال العمل معاً، من الاستفادة من ذلك لبناء علاقة أوسع بين الصين والشرق الأوسط.