مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الرأي الاردنية

١٠ آذار ٢٠٠٤

الرأي: سيدي صاحب الجلالة .. أشكركم على إتاحة هذه الفرصة لـ "الرأي" للتشرف بالحديث إلى جلالتكم، حول مختلف الشؤون المحلية والعربية والدولية والتطورات التي شهدتها منذ توليكم أمانة المسؤولية، بعد مرور خمسة أعوام على هذه المسيرة، والتي كان شعارها رفعة الشعب وتطوير مستوى معيشته ... هل جلالتكم راضون عما تحقق من إنجازات؟

جلالة الملك: هدفي، أن اجعل من الأردن بلداً نموذجاً في التنمية وإدارة الاقتصاد، وفي دفع عجلة التعليم، وفي الديمقراطية والأمن والاستقرار، وأنا مصمم على تحقيق هذا الهدف ... الحقيقة أننا نمضي قدما على طريق الإنجاز، وما تحقق لغاية الآن كبير، فقد قطعنا شوطاً مهماً في مجالي الديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية، وأنا أدرك أيضاً أنه برغم التقدم الذي حققه الأردن، سواء في مجال جذب الاستثمارات وارتفاع الصادرات وأرقام النمو، إلا أننا ما زلنا في البدايات، ونسعى إلى انخراط القطاع الخاص إلى جانب القطاع العام في التقاط مبادراتنا، وأن يكون لمختلف القطاعات الشعبية دوراً في إرادة التغيير والإصلاح.

ومن جهة ثانية، فإنني أدرك أن الإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها في الأردن، لن تكون لها النتائج السريعة والمرجوة ما لم يواكبها إصلاحات سياسية واجتماعية، وهذا ما كلفت به الحكومة الحالية للمبادرة بتنفيذه، وأنا على ثقة بأن رئيس الحكومة قادر على تحقيق تقدم في هذه المجالات.

إن الذي يعنينا في الفترة الحالية، هو أن يتكاتف الجميع، وأن يعملوا يدا واحدة من أجل مستقبل الأردن ورفاه شعبنا، بعيدا عن الاعتبارات الذاتية والمصالح الضيقة، والتي تقف في طريق ما نتطلع إليه من تقدم وازدهار.

هناك فقر وبطالة، كما هو الحال حتى في أغنى الدول وأكثرها تقدما،ً وهدفي الأوّل هو تأمين الفقراء بمستوى معيشة أفضل، وتأمين العاطلين عن العمل بفرص للعمل، هذا الأمر لن يتأتى بين ليلة وضحاها، ونحن بحاجة إلى العمل الدؤوب والكثير، وإلى مشاركة شعبنا معنا ومساعدته لنا في إنجاح الخطط والبرامج التي ترسمها وتعمل على تنفيذها الحكومة.

وأنا أعلم أن نتائج سياسة الإصلاح الاقتصادي وارتفاع معدلات النمو، لم تصل بعد إلى شرائح المجتمع كافة، الناس يريدون طعاماً على الطاولة، وتحسناً سريعاً في مستوى معيشتهم، وحتما سيتحقق هذا الأمر، ولكن ليس بالسرعة التي يتوقعها الناس.

مثلاً خلال زيارتي الأخيرة لايرلندا وإطلاعي على حجم التقدم والنمو الذي حققه هذا البلد الصغير الحجم خلال فترة وجيزة، والذي يتشابه مع الأردن من ناحية عدد السكان والإمكانيات، سعيت إلى الاستفادة من التجربة الرائدة ... نحن لدينا إمكانيات النجاح، فالإرادة متوفرة والشباب الأردني المتعلم قادر على المنافسة والتميز، إضافة إلى وجود التشريعات والقوانين الحديثة التي تهيىء مناخ الاستثمار، فلماذا لا نسعى للاستفادة من هذا النموذج وغيره من النماذج الناجحة؟ من ناحية أخرى، تبنينا سياسات عربية وإقليمية تساعد على فتح المجال أمام أبنائنا للعثور على فرص عمل والمشاركة في إعادة إعمار العراق، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والاتصالات والبناء، ولكن للأسف، هناك مواقف إيديولوجية يتبناها البعض تحدّ من مجال حركتنا، وتعطلّ جهودنا من اجل فتح الآفاق أمام شبابنا وشركاتنا للإفادة من التطورات الجديدة في المنطقة، وعلينا أن نواجه الحقيقة في هذا الإطار، وأن نتبنى سياسات، ونتخذ إجراءات أكثر عملية تحافظ على مصالحنا القومية ونسيجنا الوطني، ولكن تمكننا من تحقيق التطور والنمو الاقتصادي لشعبنا.

الرأي: في العلاقة بين النواب والحكومة، هناك أشياء غير واضحة .. ففي الوقت الذي حصلت فيه الحكومة على ثقة كبيرة من مجلس النواب، تجري محاولات لوضع العراقيل أمام تنفيذ خطط الحكومة الضرورية واللازمة لإدارة شؤون الاقتصاد والدولة، كما حصل مؤخراً في مناقشة موضوع الأسعار، ورد بعض الاقتصاد واعمالقوانين التي عرضت على المجلس ؟

جلالة الملك: عندما تم تكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة، وجهته بأن يكون متعاوناً إلى أقصى الحدود مع مجلس الأمة، وبالفعل أنا مرتاح للشفافية التي يتعامل بها رئيس الحكومة فيصل الفايز مع النواب، الذين نتمنى عليهم أن يلتقوا معه في منتصف الطريق، فالصراحة والشفافية التي يتعامل بها الرئيس يجب أن تقابل بإيجابية من قبل الجميع وخاصة أعضاء مجلس النواب الذين تقع عليهم مسؤولية كبيرة إلى جانب الحكومة في عملية الإصلاح والتغيير .

لا يمكن أن نتقدم إلى الأمام بدون تبني التشريعات التي تلائم المستقبل، بما في ذلك القوانين التي تعنى بحرية الإعلام والديمقراطية والانفتاح السياسي وتطوير التعليم، فلا يعقل عندما تتقدم الحكومة لمشاريع قوانين تهيىء المناخ الملائم لإنجاز هذه الأمور، أن يتم عرقلتها بدون إدراك لآثار تلك السلبية على عملية الإصلاح بمجملها .

عندما نبني مشروعاً لتطوير التعليم في الأردن ونستثمر فيه اكثر من 300 مليون دينار، فإننا نبني مستقبلاً لجيل أردني مؤهل ومتميز، ولقوى بشرية تتمتع بالميزة والكفاءة، ونهدف إلى تحقيق الآمال والفرص أمام الأردنيين جميعاً.

إن جل ما أسعى إليه هو الاستثمار بالإنسان الأردني، وذلك من خلال تعليمه وتأهيله وتدريبه، وفي نفس الوقت توفير فرص متساوية للأردنيين والأردنيات في كل المجالات، كما أريد للطالب أو الطالبة في قرية شقيرا بالكرك أو في عقربا في اربد، على سبيل المثال، أن يتساووا بذات الفرص مع أبناء عمان، وأسعى إلى تجسير الفجوة بين الأغنياء والفقراء، من خلال تطوير التعليم وتحسين وضع المدارس لتتواءم مع عصر التعلم والتعليم الحديث.

فالفقير ليس أبداً محدود الإمكانيات، بل إن كّل ما يحتاجه هـو فرص تعليـم ملائمة لتحسين فرص معيشته وتحقيق آماله، إن مبلغاً غير قليل كـ (300) مليون دينار تصرف على التعليم في بلد مثل الأردن سوف تغير معالمه. فالأردن من أوائل دول العالم في الإنفاق على تحسين التعليم، ففي مبادرة تطوير التعليم التي أطلقناها مؤخراً، سيتم رفع قدرات النظام التربوي في وزارة التربية والتعليم، وتأهيل الأردن ليكون أحد المصادر العالمية في توفير الخبرات المتعلقة بالتعليم الإلكتروني واقتصاد المعرفة.

وعندما يحقق الأردن رقماً عالمياً في مستوى التعليم كما بينت اليونسكو مؤخراً، إذ حقق الأردن الرقم 18 من بين 94 دولة في مستوى التعليم، فهذا مؤشر قوي على أننا نسير على الطريق الصحيح، وأننا وضعنا نصب أعيننا المستقبل الذي يليق بشعبنا.

بمقدورنا أن ننفق هذه الأموال المخصصة للتعليم في جوانب أخرى تظهر آثارها واضحة وعلى التو ولكن سرعان ما تزول، لكننا نفكر بالمستقبل ونفكر بجيل الشباب وكيفية تحقيق آمالهم، ونسعى إلى توفير التعليم الجيد لهم، لأننا نرى أن هذا الأمر سيساهم في الحد من الفقر والبطالة، وسيساعد أيضاً على رفد وتعزيز مبادراتنا الأخرى لتطوير الأردن، والارتقاء بمستوى معيشة شعبنا.

ولذلك أتمنى على الجميع أن يفكروا بالأردن أولا، وبمستقبل أبنائه وبناته دائماً، وأن لا يستهينوا بالإنجازات ولا بالخطط والبرامج والمبادرات، وأن يتفاءلوا بالمستقبل ويتعاملوا بإيجابية مع هذه المبادرات التي تهدف إلى تحفيز الشباب وإطلاق طاقاتهم والأخذ بيدهم.

الرأي: سيدي جلالة الملك، لقد كان للأوضاع المضطربة في المنطقة مثل الحرب على العراق والوضع المتدهور في الأراضي الفلسطينية تأثيراً على الاقتصاد الأردني. هل يمكن أن نقول أن الأردن تجاوز هذه الظروف الصعبة؟

جلالة الملك: أولا:ً أود التأكيد على قضية أساسية وهامة، وهي أننا إذا أردنا اقتصاداً سليماً معافى، فلا بد من الاعتماد على النفس وتجاوز كل الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد.

نحن بحمد الله، تجاوزنا الظروف الصعبة بفضل وعي شعبنا أولاً، وبمساعدة الدول الشقيقة والصديقة لنا، المساعدات الدولية للأردن تجاوزت في العام الماضي المليار دولار وهذا العام ستصل إلى نصف مليار دولار.

هذا الأمر لم يأتِ بسهولة، وإنما بذلنا من اجل الوصول إلى ذلك الجهود الكبيرة والمفاوضات المضنية، والتنقل من دولة إلى أخرى حتى نحصل على هذه المساعدات التي ساهمت كثيراً في التخفيف من آثار الأزمة التي مرت علينا نتيجة الأوضاع المتدهورة في المنطقة، وما زلنا نتحرك في كل اتجاه لنحافظ على ما تحقق من إنجازات، وليبقى الأردن حاضراً في كل ملتقى عالمي.

وعلى خطى الوالد -رحمه الله- فقد نجحنا في تعزيز مكانة الأردن على خارطة العالم السياسية والاقتصادية، ونريد أن نحافظ على هذا الإنجاز عبر المزيد من المشاركة والتفاعل مع العالم، في كل خطوة وتحرك نقوم به نساهم في دعم اقتصادنا الوطني، وفي تقديم الأردن أمام العالم كبلد نموذج.

وأود أن أطمئن الجميع أننا نسير في الاتجاه الصحيح، فمثلما تمكنا من جعل الأردن حاضراً في كل منتدى، فقد نجحنا أيضاً في جعل الأردن مركز استقطاب عالمي، كما حصل في مؤتمر دافوس الذي سيعقد للمرة الثانية صيف هذا العام على شاطىء البحر الميت، بمشاركة قيادات العالم التي باتت تدرك أهمية الأردن ودوره في المنطقة، هذا الأمر لم يتحقق من فراغ، بل لأن العالم يقدر مصداقية الأردن ودوره، وما حققناه من إنجازات وما نصبو إليه لصالح شعبنا وتقدمه وتقدم المنطقة.

وأنا أستغرب من البعض الذي يحاول الانتقاص من دور الأردن أو يقلل من الإنجاز، أو يسعى إلى جلد الذات دون اعتبار إلى أنه يؤذي شعبنا وبلدنا ويحاول أن يثبط عزيمة شبابنا.

الرأي: صاحب الجلالة، هناك من يلوم الحكومات المتعاقبة على ما وصلنا إليه اليوم من عجز كبير في الموازنة، اللوم ينصب على أن هذه الحكومات لم تتخذ القرارات اللازمة برفع الدعم عن المحروقات في حينه لكي نتفادى ما يحدث اليوم، ونضطر في اللحظة الأخيرة لرفع الأسعار ونزيد من أعباء المواطنين.

السؤال ذو شقين: هل من حق للأردنيين في التفكير ورؤية تقصير من قبل أشقائنا العرب في الدول النفطية في تعويض الخسارة التي لحقت بنا جراء الوضع في العراق؟ وثانيا: أين وصلت نتائج الاتصالات التي تجريها القيادة من أجل تأميننا بالنفط الذي نحتاج مع الدول الشقيقة السعودية والكويت والإمارات، وحتى مع العراق نفسه؟!

جلالة الملك:هناك مسؤوليات على الحكومات المتعاقبة، الصراحة الحكومة السابقة عملت جيدا وتحملت المسؤولية وبدأت العملية بشكل فاعل، لكن كان من المفروض أن يبدأ هذا الجهد من الثمانينات أو على الأقل من بداية التسعينات... رؤساء الحكومات السابقون كانوا يبدأون بحل القضايا السهلة، ويؤجلوا القرارات الصعبة غير الشعبية، هذه الحكومة بدأت عملها، لكن علينا أن نمنحها فرصة للإنجاز.

وبالنسبة لمساعدة الأشقاء في موضوع النفط، فالسعودية والإمارات والكويت لم تقصر معنا، ساعدونا قبل وخلال الحرب، وساعدونا خلال السنة الماضية بكاملها... أمامنا سنة أو سنتان صعبتان، وهناك جهود مع الأشقاء في أن يقدموا لنا الدعم... ونحن متفائلون بمواقف الأشقاء كما كنا دوما.

وبالنسبة لإعادة تزويدنا بالنفط من العراق ... فهو ممكن نظريا، ولكننا نحتاج إلى من نتحدث معه ويتخذ القرار في هذا المجال... جزء من المشكلة قد يكمن في وجود بعض الأشخاص ممن يمتلكون أجندات، مع أن الكثير من العراقيين يؤيدون ويريدون دعم الأردن... وفي حال وجود حكومة عراقية موحدة، فمن المؤكد أننا سنتمكن من الحديث في هذا الموضوع مستقبلا... ونحن سنستمر بتقديم كل المساعدة للأشقاء العراقيين.

الرأي: أين وصلنا في مسيرة محاربة الفساد، وهل جلالتكم بصدد إجراء مراجعة لها، وهل الظاهرة أكبر من حجمها؟

جلالة الملك: اعتقد أن هناك تضخيم في الموضوع... إذا بقينا نتحدث بشكل كبير عن الفساد، ستجد البعض من الذين سيأخذون بالاعتقاد أن الأمور ليست على ما يرام في الأردن، يجب أن نحارب الفساد وأن يكون لدينا شفافية في فعل ذلك، والمهم أن نبدأ بمكافحته كي نمنع حدوثه الآن كما في المستقبل، ولكي يكون الأردن نظيفا وخاليا من هذه الآفة. أما بالنسبة للماضي فيجب أن نكون حذرين في رسم الخط الفاصل بين تحقيق الهدف وعدم الوصول إلى نتائج. كم من السنين نعود إلى الوراء مثلا في ملاحقة من قام بمحاولات أو حقق أغراضا في هذا المجال؟! رئيس الحكومة الحالي لديه الشفافية ويريد المضي قدما في هذا الموضوع، وهناك قضايا يجب التحقق منها، حتى يشعر الناس بالآمان والاطمئنان حول المستقبل، ولكن العملية ليست سهلة دائما.

الرأي:من المعروف أن كل المجتمعات تعاني من مشاكل مع أجهزة ومنظمات إعلامها وسبل عملها وطرق تعاملها مع القضايا. من المعروف أيضا أن الوضع في الأردن لا يختلف في جوهره عن ما يحدث في الدول الأخرى. ذكرتم جلالتكم في كتاب التكليف السامي للحكومة الحالية أن إعلامنا يعاني من التردد والخوف، كما أشرتم إلى أنه في كثير من الأحيان هذا الإعلام غير قادر على التعامل مع القضايا الحساسة والمعقدة بكفاءة ومهنية خصوصا فيما يخص إظهار الإيجابيات والإنجازات في المجتمع. هل تغير الوضع منذئذ، وما هو المطلوب بالضبط من وسائل إعلامنا؟

جلالة الملك: الإعلام والمجلس الأعلى للإعلام يجب أن يكون له دورا أساسيا في التغيير وفي رفع مستوى المهنة، وعلى الصحفيين أنفسهم أن يتحركوا ويدافعوا عن القوانين والقضايا التي تخدم مستقبل الإعلام المهني في الأردن، ليس فقط البرلمان الذي سيبني الأردن... كلنا مسؤولون عن ذلك، الصحافة لها دور كبير... وعندما يرد البرلمان قانون لتطوير الوضع الاقتصادي والاجتماعي أو الحريات، يجب على الإعلام أن يساعدنا في الدفاع عن هذه القوانين وعن القضايا التي تهم الوطن والمواطنين بمهنية وموضوعية، والجرأة في طرح الأمور وبطريقة مستنيرة ومؤثرة. أليس هذه دور الإعلام المطلوب في هذه المرحلة؟!

الرأي: جلالة الملك، القمة العربية على الأبواب والشعب العربي سئم المؤتمرات واللقاءات العربية التي لم تساهم يوماً في زيادة اللحمة العربية، ولا في تحسين الوضع العربي بشكل عام.

جلالة الملك: أنا اتفق معك بضرورة أن تكون لقاءاتنا العربية والقمم العربية في حجم التحدي الذي يواجه أمتنا .. كنت أقول إذا لم نتفق في الأمور السياسية دعونا على الأقل نتفق على المواضيع الاقتصادية، وإذا لم توحدنا المواقف السياسية فلتوحدنا المصالح الاقتصادية.

القمة القادمة مهمة جداً بعد الذي جرى في العراق، فقد زال النظام الذي كان يشكل خللاً في العلاقات العربية ـ العربية نظراً لتهديداته لجيرانه، وآن الأوان نحن كعرب أن نتصارح ونفكر ماذا نعمل من أجل شعوبنا ومن أجل الأجيال القادمة ومن أجل التضامن العربي.

القمة القادمة ستبحث في إصلاح عمل الجامعة العربية، وهذا أمر ضروري، كما ستبحث في إيجاد خطوات عملية وجادة للتعاون الاقتصادي ولتعزيز العمل العربي المشترك، وإلا بقيت هذه الأمة للأسف على الهامش .

ونحن نتحرك الآن قبل انعقاد القمة العربية القادمة، لبلورة موقف عربي موحد إزاء الوضع في الأراضي الفلسطينية، ونسعى إلى إعادة طرح مبادرة السلام العربية التي تم إقرارها في قمة بيروت العام قبل الماضي على العالم من جديد، لإيصال رسالتنا نحن العرب بأننا دعاة سلام وإننا جادون بذلك وأن على العالم أن يتحمل مسؤولياته في إرساء السلام.

الرأي: لن ينسى التاريخ أن جلالتكم أصاب في تشخيصه لأحداث 11 أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة، وفي تداعياتها على العالم الإسلامي وعلى المنطقة العربية بالذات، وللذين لا يعرفون، فإنكم توقعتم التغيير في العراق قبل أن يحدث بفترة طويلة أيضا، وعملتم ما هو لازم وضروري لدرء مخاطر الحرب وتبعاتها على المنطقة، بعدما أبديتم معارضة شديدة لشنّها في المكان الأول. ما مضمون الرسالة التي يجب توجيهها إلى الإدارة الأمريكية الحالية؟ ولربما أيضا لمنافس الرئيس بوش، الديمقراطي السناتور جون كيري ولحملته؟

جلالة الملك: منذ 11 سبتمبر، لم نلتقط أنفاسنا في الوطن العربي ابتداء من هذه الأحداث ومرورا بالانتفاضة وانتهاء باحتلال العراق. أتوجه الشهر القادم إلى أمريكا، لنتحدث في كل المواضيع التي تهم المنطقة، موضوع الإصلاح ليس لدينا مشكلة معه هنا في الأردن، نحن لدينا خطة واستراتيجية في هذا الموضوع، وعندنا برنامج واضح للمستقبل ونسير عليه.

ولكن على كل دولة معالجة قضاياها الداخلية بالطريقة التي تنسجم مع رغبات شعبها، فلا أحد يستطيع أن يطبق في الأردن ما ينطبق أو لا ينطبق على أي دولة أخرى.

يجب أن يكون لنا موقف عربي واحد، وأن نضع أساسيات لما نريد عمله بالنسبة للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واعتقد إذا نحن العرب بدأنا باتخاذ خطوات جدية في مجال الإصلاح، سنحظى بدعم أوروبي لموقفنا... ولا يمكن لأحد أن يفرض علينا الإصلاح من الخارج.

الرأي: الجميع يدرك مدى احترام الجسم السياسي والشعب الأمريكي لجلالتكم، ولسياسات الأردن الوسطية والذكية. ماذا ستقولون لهم قبل وأثناء زيارتكم لواشنطن هذا الربيع؟

جلالة الملك: زيارتي لواشنطن ستتم في الأسبوع الثاني أو الثالث من الشهر المقبل، واعتقد أن وقت الزيارة سيكون مناسبا جدا، خاصة أنني لست مرتاحا أبدا بالنسبة للوضع في العراق، من حيث التطورات الأمنية السلبية التي تحدث هناك، والتي نأمل أن لا تزداد سوءا خلال الأسابيع المقبلة... وإن شاء الله خلال زيارتي للولايات المتحدة سنتحدث بشفافية مع الرئيس الأمريكي، حول ما يمكن أن يفعله الأميركيون للمساهمة في إعادة الأمن والاستقرار والسيادة للعراق.

الرأي: هل جلالة سيدنا متفائل بإمكانية تحقيق تقدم بالنسبة لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خصوصاً في ضوء تصاعد حدة العنف والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ؟

جلالة الملك:لا شك أننا أمام عام صعب، فالعنف يزداد يوماً بعد يوم، والإجراءات الإسرائيلية متواصلة ضد الفلسطينيين، والتهديد من قبل الجانبين متواصل أيضاً، وبعد أن دخلت الانتخابات الأميركية مرحلة السباق، فقد يكون الاهتمام الأميركي ليس منصباً على هذا الموضوع مثل المواضيع الداخلية ولكن الواقعية تفرض أن يكون، لأن العالم أصبح أكثر إدراكاً بأن الأمن والاستقرار لن يتحققا دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ثم إن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كلّوا من استمرار دوامة العنف والقتل والدمار، وما يجري الآن من حراك سياسي يهدف إلى إيجاد مخرج لحالة الجمود الذي تشهده عملية السلام .

نحن نتعايش مع المعاناة اليومية للأشقاء الفلسطينيين، وندرك أهوال استمرار الاحتلال وسياسة تدمير البيوت وتشريد أصحابها ومواصلة سياسة الاغتيالات، ولذلك كان همنا في كل محطة من لقاءاتنا مع قادة العالم في أوروبا وفي أميركا وفي مختلف الأرجاء هو إيصال صوت الفلسطينيين ومعاناتهم، ودعوة المجتمع الدولي للتحرك لإيجاد حل عادل ودائم وشامل، فالعالم معني اليوم أكثر من أي وقت مضى بإيجاد حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن النمو والاستقرار والسلام في هذه المنطقة لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا ما نقوله للعالم في كافة لقاءاتنا داخل وخارج الأردن.

كما أن مصداقية العالم اليوم على المحك، فإذا لم يتحرك لمساعدتنا في إنهاء الصراع وإقامة العدل والسلام، فإن الغضب والعنف سيشتعل في العالم أجمع، ويجب أن تعي إسرائيل أن المسؤولية الأولى تقع على كاهلها... وإذا أرادت الحكومة الإسرائيلية سلاماً حقيقياً وأمناً حقيقيا، فيجب عليها الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وتنفيذ المبادرات السلمية ووقف كل الإجراءات التي تساهم في هدم الآمال نحو السلام، مثل الاستمرار في بناء الجدار العازل وبناء المستوطنات وسياسة الاغتيالات.

الرأي: وقف الأردن بحزم ضد بناء الجدار العازل، وقدم مرافعة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي حوله. في هذه الأثناء تقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بخطته الشهيرة حول إخلاء المستوطنات والانسحاب من قطاع غزة. أين يقف الأردن إزاء هاتين القضيتين، وهما بالضرورة مرتبطتان ؟

جلالة الملك: قبل أن أتحدث عن آثار الجدار على الأردن، أود أن أوضح أخطاره على الفلسطينيين، فهذا الجدار سيمر داخل الأراضي الفلسطينية ويقطع أوصالها ويشكل خطراً على مستقبل الدولة الفلسطينية، لأنه يقتل أي أمل أو فرصة لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل.

وكما قلت، فإن أي سلام بدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية سيبقى سلاماً منقوصاً، وسيظل قنبلة موقوتة تنفجر في أي وقت وعند أول اختبار.

أما عن خطر الجدار على أمن الأردن، فنحن الأقرب إلى فلسطين وما يعاني منه أشقاؤنا يشكل معاناة لنا ولا يمكن لنا السكوت على هذه المعاناة، ففي الوقت التي تنفق فيه إسرائيل مئات الملايين من الدولارات على بناء الجدار، على الرغم من وضعها الاقتصادي الصعب، لتنشر بانتوستونات على النمط الجنوب أفريقي واحتواء الأغلبية العربية الناشئة، يوافق رئيس الحكومة الإسرائيلية على الاستمرار في بنائه، لكي يحيط بالفلسطينيين على طول الحدود الشرقية مع الأردن.

بالنسبة لمشروع شارون المتعلق بالانسحاب من غزة، نستطيع أن نقيّم الموضوع عندما نعرف ما هو الهدف النهائي من الانسحاب، لكن نحن نؤيد أي خطوة للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، سوف نقيّم هذا الموضوع بعد ما نعرف التفاصيل وإلى أين سيذهب المستوطنون، إذا ذهبوا إلى الضفة الغربية فهذه مشكلة أخرى.

الرأي: سمعنا اليوم أخبارا عن احتمال عقد لقاء قريبا بين جلالتكم ورئيس الوزراء الإسرائيلي. ما مدى صحة هذه الأخبار، وهل خارطة الطريق ما تزال حية وبالإمكان مناقشة تطبيقها مع الإسرائيليين وغيرهم؟

جلالة الملك: لم يجر الحديث عن أي لقاء مرتقب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكن بالطبع نحن نستثمر علاقتنا مع إسرائيل لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق وتحقيق تقدم في عملية السلام.

أما بالنسبة لخارطة الطريق، فلا اعتقد أنه سيحصل تقدم كبير في مجال تنفيذها في العام 2004، لكن يجب أن يبقى هذا المشروع حيا، وأن نعمل على دعم الفلسطينيين حتى يحدث انفراج. لا شك أنه هناك تأثير بالنسبة للسياسة الأمريكية في هذا العام، عام الانتخابات، والرئيس الأمريكي سيتدخل فقط حين يرى أن هناك شيئا جديدا وجوهريا وآلية تؤدي إلى تحقيق تقدم واضح في عملية السلام.

الرأي: صاحب الجلالة، ماذا يحدث في العراق اليوم: هل أنت متشائم من التطورات السلبية خصوصا الأمنية المتلاحقة ؟

جلالة الملك: الأميركيون والبريطانيون منشغلون اليوم بقضية أسلحة الدمار الشامل في العراق، وهل كان هناك مبرر لخوض الحرب؟ نحن نقول إن ما يعنينا هو الشعب العراقي أولاً وأخيرا، فقد وقعت الحرب وهو الأمر الذي كنا نحذر من وقوعه، ونؤكد أنه سيشكل كارثة على المنطقة والعالم، وإذ نشهد اليوم نتائج الحرب فإننا ندعو العالم للعودة إلى الشعب العراقي ليقرر مصيره بنفسه، فهذا الشعب العريق يحتاج إلى دعم الجميع لإيصاله إلى بر الأمان، ومساعدته في بناء مؤسساته وإقامة سلطته الوطنية وحكومته المنتخبة.

نحن نقوم بواجبنا وبما تمليه علينا العلاقات التاريخية المتميزة مع الشعب العراقي، فحاليا نقوم بتدريب الكوادر العراقية، من شرطة وجيش ودبلوماسيين وغيرهم من العاملين في المؤسسات العراقية، لأننا ندرك أن كل يوم يتأخر فيه بناء العراق يعني استمرار الاحتلال الأجنبي واستمرار الفوضى والدمار والعنف، كما رأينا الأسبوع الماضي في يوم عاشوراء والذي لا يستفيد منه إلا أعداء الشعب العراقي، لكن إذا ما أسرعنا في بناء المؤسسات العراقية فإننا نساهم في عودة العراق إلى وضعه الطبيعي ضمن أسرته العربية بلداً مستقلاً وحراً.

الرأي: مسألة عودة الملكية إلى العراق لم تعد مطروحة كما يبدو، بعد الاتفاق على صيغة لدستور مؤقت من قبل مجلس الحكم، الذي وقُع قبل يومين. هل بالإمكان العودة إليها في المستقبل، خصوصا وأن هناك من يتحدث في العراق اليوم عن حتمية ضم الأردن والكويت إليه؟!

جلالة الملك: دائما كنت أقول، أن مستقبل العراق للعراقيين والشعب العراقي هو الذي يقرر ماذا يريد، حكم ملكي أو حكم جمهوري. إذا فكر العراقيون بالملكية فهذا شأنهم، أنا مهتم الآن بالأردن وتحسين مستقبل شعبنا، والحمد لله، أن شعبنا في الأردن يعرف ماذا يريد، الملكية مؤسسة حكم وليست أشخاصا بعينهم، وما قد يتطلع إليه العراقيون في هذا الشأن هو نظام كامل متكامل يتحقق برغبتهم.

الرأي: سيدي جلالة الملك، تابعنا تصريحاتكم خلال لقاءاتكم الأخيرة مع قادة أوروبا حول موضوع الإصلاح في الشرق الأوسط. هل من فرصة لتحقيق إصلاح يفرض من الخارج، وما هو المطلوب عمله بالتحديد من قبلنا في هذه المرحلة لنمنع مثل هذا الاحتمال؟

جلالة الملك: ما أود التأكيد عليه، هو أن الإصلاح يجب أن يكون بإرادة الشعوب وأن ينسجم مع ظروفها وتطلعاتها، إن أي وصفه خارجية للإصلاح لا يمكن أن يفهمها الشعب العربي ببراءة إذا لم تلبي طموحاته وتنسجم مع حضارته وتاريخه وآماله .

يجب أن نقود نحن الإصلاحات لا أن نكون مجرد منفذين ومقلدين، ويجب أن نقتنع كأمة بضرورة البحث عن أسباب ضعفنا وطرق توحدنا وتضامننا، فمن غير المعقول أن نبقى نفكر بعقلية المؤامرة ونلوم الآخرين على ضعفنا، وننسى أن جزءا كبيرامن مصائبنا وهزائمنا يقع على كاهلنا.

نحن نؤمن في المقابل بأن الإصلاح مطلوب وضروري، لكنه يجب أن ينبع من الداخل ويلبي أولويات شعوبنا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وينسجم مع حضارة أمتنا ودينها الإسلامي، والحمد لله لقد قطعنا شوطاً كبيراً في عملية الإصلاح والتغيير نحو الديمقراطية والانفتاح السياسي والاقتصادي، ولم ننتظر حتى تأتينا وصفات الإصلاح من الخارج. وما نريده من مبادرات إصلاح الشرق الأوسط هو أن يكون من بين أهدافها الرئيسية حل القضية الفلسطينية التي هي جوهر الصراع في المنطقة، فأي عملية تطوير وإصلاح في المنطقة تتجاوز حل القضية الفلسطينية لا أرى أنه سوف يكتب لها النجاح ، وإذا أراد العالم أن يساعدنا في عملية الإصلاح والتغيير، فعليه أن يساعدنا في إيجاد حل للقضية الفلسطينية التي يتخذها البعض ذريعة للإبقاء على الوضع الراهن، كما قال أمين عام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، وهو ذات الاستنتاج الذي توصل إليه الأوروبيون.

الرأي: وزارة الخارجية الأمريكية انتقدت في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان، في العام والذي نشر مؤخرا ما أسمته عدم السماح بتداول السلطة (الحكومة) في المملكة. هل هذا نوع من المزايدة السياسية على دولة مثل الأردن توجد بها جماعات وأحزاب أيديولوجية ترفع شعارات غير قابلة للتحقيق في كثير من الأحيان، ولا تؤمن ببراجماتيات السياسة الدولية والتوافق بين الدول؟

جلالة الملك: أود أن أوضح لك أولا أن الشعب الأردني سئم الشعارات، رأينا الناس قبل الحرب على العراق وبعد احتلاله، الجيل الجديد يفكر بشكل مختلف، يريد من الأحزاب ومن المرشحين للانتخابات برامج وخطط واضحة تؤدي إلى تحسين مستقبله السياسي. عندما التقي الطلبة يقولون لي نحن غير مرتاحين من بعض المرشحين الذين دخلوا البرلمان، وكانوا يتساءلون لماذا أصوّت لشخص فقط لأنه ابن قريتي أو من عشيرتي،علينا عمل الكثير خلال الأربع سنوات القادمة. عندما نتحدث عن الشفافية أو أننا نريد محاربة الفساد والواسطة، على الجميع أن يقف يدا واحدة، فالنواب مثلا يتحدثون عن محاربة الفساد والواسطة وفي ذات الوقت يريدون معالجة مشكلة الفقر والبطالة، وهم يطالبون الحكومة بكل هذا، ولكن بالمقابل على النواب مسؤولية أيضا، فبالقدر الذي يطالبون الحكومة بمحاربة الواسطة والمحسوبية... الشعب يطالبهم بمحاربة هذه الظواهر أيضا.

على أية حال، ورداً على سؤالك، كنت طالبت بتشكيل اثنين أو ثلاثة أو أربعة أحزاب كبيرة تتمكن في حال فوزها بأغلبية المقاعد في مجلس النواب من أن تحسم النقاش في هذه القضية.