مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع التلفزيون الإسرائيلي

٢٨ آب ٢٠١٠

التلفزيون الإسرائيلي: جلالة الملك، رمضان كريم. ستغادرون جلالتكم خلال يومين لحضور قمة واشنطن، وكما تعلم فإن عملية السلام شهدت العديد من الأحداث الاحتفالية التي انتهت بالإحباط وخيبة الأمل. هل تعتقد أن هذا الحدث سيكون من نفس النوع؟

جلالة الملك: أتمنى، ومن أجل جميع شعوبنا، أن لا يكون الأمر كذلك. من الواضح أنه يوجد شعور بالإحباط منذ سنوات، لأننا لم نستطع تحقيق التعايش بين جميع شعوبنا. وفي ضوء لقاءاتي مع القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية، ونقاشاتي مع الرئيس أوباما والأميركيين، أشعر أن هناك إدراكا لأهمية تحقيق تقدم في عملية السلام، لذا نأمل أن يتمكن الجانبان من الجلوس معاً بشكل نهائي وحاسم لحل القضية.

التلفزيون الإسرائيلي: بما أنك ذكرت أنك على اتصال مع الرئيس أوباما، هل تتوقع أن يكون دور الإدارة الأميركية أكثر نشاطاً وحضوراَ في الجولة القادمة من المحادثات؟

جلالة الملك: أعتقد أن النقطة الرئيسية هنا هي أننا جميعا ذاهبون إلى واشنطن، وأن هذا الاجتماع الذي يستضيفه أوباما هو مؤشر واضح على الالتزام الأميركي بدفع العملية إلى الأمام. وفي نهاية المطاف، نحن لا نريد مجرد فرصة لالتقاط الصور. لذا فإننا سنلتقي جميعاً في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني سيجلس الفلسطينيون والإسرائيليون مع الأميركيين لإطلاق المفاوضات المباشرة. وستكون إرادة القادة في حل هذه المشكلة العامل الحاسم الذي سيحدد كيف سيتشكل الشرق الأوسط في الأعوام العشرة القادمة.

التلفزيون الإسرائيلي: هل ستطرح الإدارة الأميركية مقترحاتها الخاصة من أجل دفع المحادثات؟

جلالة الملك: أعتقد أننا جميعا نعرف ما هي القضايا، وهذا هو الشيء المحزن في هذه المشكلة. نحن لا نبدأ من الصفر. الكل يعرف تماماً ما الذي يجب فعله من أجل تحقيق التقدم. المشكلة هي أنه خلال السنوات الماضية لم يجلس الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني بشكل فاعل على طاولة المفاوضات حتى يتمكنوا من التحرك للأمام. وكان لهذا، باعتقادي، كلفة عالية على صعيدي الأمن والاستقرار، ليس فقط على الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن على المنطقة ككل. آمل أن يكون القادة مدركين لخطورة ما هو على المحك. والأهم من ذلك هو: هل تعي الشعوب أيضاً هذه الخطورة، وهل سيدعمون قادتهم ويمكنوهم حتى يستطيعوا حل هذا الصراع بشكل نهائي وحاسم؟

التلفزيون الإسرائيلي: هل تعتقد أن الإدارة الأميركية عازمة فعلاً على المضي قدماً؟

جلالة الملك: آمل ذلك، لأنه يجب عليك أن تفهم أن حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية هو جزء من أمن أميركا الوطني.

التلفزيون الإسرائيلي: لقد كانت كذلك على الدوام، أليس صحيحا؟

جلالة الملك: نعم لكن ذلك لم يطرح في السجال العام. كانت هذه الحقيقة محور حديث الجنرالات والعاملين في مجال الاستخبارات، ولكنها المرّة الأولى، منذ نهاية إدارة الرئيس بوش، وبداية إدارة الرئيس أوباما، التي يعلن فيها من خلال النقاش العام أن هذا النزاع القائم ليس في صالح الولايات المتحدة، وبالتالي تولدت قناعة لدى الناس بشكل عام، والسياسيون الآن، أنه من مصلحة الولايات المتحدة الوطنية أن يتم الحل وفقاً لحل الدولتين في أسرع وقت ممكن. وهذا تحرك مهم علينا جميعاً أن ندركه.

التلفزيون الإسرائيلي: هل الهدف الزمني، المتمثل بالوصول إلى اتفاقية السلام خلال عام، أمر طموح للغاية؟

جلالة الملك: لا أعتقد أن علينا أن نضع هدف ‘السنة الواحدة’ كمهلة زمنية. أعتقد أن الذي صدر عن الولايات المتحدة هو "خلال عام"، فلماذا الانتظار سنة؟ كلما انتظرنا فترة أطول لتحقيق الحل، كلما زادت فرص تفجر العنف. وقد رأينا ذلك يحدث في مرات عديدة من قبل. فكلما التقى أنصار السلام من أجل دفع العملية للأمام، يكون هناك العديد ومن بين جميع الأطراف، ممن يريدون تدمير هذا التوجه. وبالتالي تفاقمت المعاناة وزهقت العديد من الأرواح من شعوبنا خلال العقود الماضية. علينا أن نتحرك وفق قناعاتنا بأهمية السلام، واتخاذ خطوات صعبة خلال الأسبوعين القادمين على أمل أن يقود ذلك إلى عملية سلام ليست فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث أنه حين نتحدّث عمّا يجري في واشنطن علينا أن لا ننسى ما تتطرحه مبادرة السلام العربية من سلام شامل. فما نحاول تحقيقه هنا هو إحراز تقدم في العملية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حتى يتسنّى تطبيق مبادرة السلام العربية، سلاما واندماجاً كاملاً مع العالم العربي والإسلامي، فيكون مستقبل إسرائيل غير محصور بحدودها مع الأردن، أو لبنان، أو سيناء، أو مرتفعات الجولان. هذه هي الجائزة الكبرى، ولكن علينا البدء في واشنطن.

التلفزيون الإسرائيلي: ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الأردن في تعزيز المحادثات القادمة؟

جلالة الملك: أعتقد أنه، ومنذ عهد المغفور له جلالة الملك الحسين، كان الأردن دائما يقوم بدور جمع الشعوب مع بعضها البعض وحل النزاعات والمشاكل التي ابتليت بها هذه المنطقة، وهذا إرث أعتز بحمله. وأثبت الأردن، كمحاور صادق، أنه يحاول إيجاد الفرص لجمع الناس معاً، وأعتقد أن هذا هو سبب وجودنا في واشنطن، لأننا موضع ثقة جميع الأطراف، ويدرك الجميع أننا نؤمن بالسلام والازدهار لجميع الشعوب، وسنستمر في القيام بدور فعّال كلما استطعنا ذلك.

التلفزيون الإسرائيلي: جلالة الملك، في مقابلات حديثة أثرت مخاوف بأنه إذا لم يتحقق تقدم، فإننا على مشارف انتفاضة ثالثة؟

جلالة الملك: في صغري، كان النزاع بين إسرائيل والمنطقة يحدث كل عقد تقريبا. ولكن منذ وفاة المغفور له الملك الحسين، فإننا نتحدث عن نزاع تكون إسرائيل طرفا فيه في المنطقة كل سنتين. إذا لم نمض بالعملية السلمية إلى الأمام فإن شيئاً سوف يحدث، إمّا على حدودكم، أو من أخطار بعيدة، أو في الداخلً. وهذا هو الأمر المحزن. فالناس في نهاية المطاف هم الذين يدفعون الثمن بأرواحهم، وبانعدام أمن مستقبلهم، عندما لا يتحلى السياسيون بالشجاعة الكافية للنهوض إلى مستوى المسؤولية، وهنا مكمن الخطر.

التلفزيون الإسرائيلي: إذا، فأنت تتحدث عن شعور عام، وليس عن معلومات أكيدة بالضرورة؟

جلالة الملك: لا أتحدث عن معلومات أكيدة، ولكننا نعرف أن هناك بين الطرفين من لا يريدون تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبالتالي السلام بين الإسرائيليين والعرب وكل الشعوب الإسلامية: 57 دولة، وهو ما أكدنا عليه مرارا. لذا ففي اللحظة التي نجد أنفسنا في ذهنية القبول بالوضع الراهن سيتحرك أحدهم ويضغط على الأزرار وتكون النتيجة اندلاع الصراع.

أعتقد أن الظروف قد تغيرت على مدار السنوات العديدة الماضية. ففيما يخص الصراع في إسرائيل في الماضي، كان الانتصار في أي صراع مع إسرائيل هو الهدف. أما هذه الأيام فالظروف قد تغيرت، وبات الصمود في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل كافياً. وهذا يدل على تغير المعطيات بشكل كامل فيما يخص تغير نوع التحدي الأمني تجاه إسرائيل. وإذا لم يكن هناك تحرك على الصعيد السياسي فسيبقى الشعب الإسرائيلي مهددا إلى الأبد. لذلك فالقرار يجب أن يتخذ: هل ستعيش إسرائيل في عقلية القلعة، وتنظرون إلى الشرق الأوسط من وراء الجدران – بينما نحن نتقدّم بتعاون إقليمي وتكامل اقتصادي، أم سيكون لديكم القدرة والشجاعة لتحطيم الجدران وجمع الشعوب، ما سيجلب الأمن الكامل للشعب الإسرائيلي؟

التلفزيون الإسرائيلي: بما أنك ذكرت خطورة أن يقوم أحد بضغط الأزرار... إذا قامت وحدة من الجناح العسكري لحماس باستهداف إيلات، فضربت العقبة وأوقعت ضحايا، ماذا ستكون ردّة فعل الأردن على ذلك؟

جلالة الملك: كما قلت، في كل مرّة نتحرك فيها تجاه السلام، تتحرك عناصر لزعزعته. علينا أن نركز أعيننا على الصورة الأشمل، سيكون هناك ضحايا في الطريق إلى السلام. وقد خسرنا في بلدينا قائدين عظيمين: جلالة المغفور له الملك الحسين، ورئيس الوزراء إسحق رابين، اللذين حاربا من أجل رؤية نستطيع جميعنا أن نتبناها. أعتقد أن الخطر الأكبر يكمن في هذه النقطة: المعركة من أجل السلام هي التي ستضمن مستقبلنا. وهذا ما أحاول أن أقوله، أنه إذا قبلنا بالوضع الراهن سيكون هنالك عنف. أما إذا تمكن الإسرائيليون والفلسطينيون من حل مشاكلهم، فما الذي سيدفع بعض الدول لعداء إسرائيل: هذا هو استقراركم المستقبلي.

التلفزيون الإسرائيلي: ولكن عندما نتحدث عن حماس فإننا نتحدث عن وجود منظمة إسلامية متطرفة ملتزمة بتدمير إسرائيل، ولم تعترف قط بإسرائيل، وهي أداة في يد النظام الإيراني؟

جلالة الملك: يوجد إحساس لدى الشعب الإسرائيلي بأنهم يستطيعون العيش مع الوضع القائم، وهو ما اعتادوه لعقود. لكن المستقبل لا يبدو مشرقاً، وأود هنا أن أطرح عليك هذا الطرح: لا أعتقد أن إسرائيل ستصبح أقوى عبر السنين، لأن التحديات التي تواجه مستقبل إسرائيل الأمني ستزداد ولن تنقص. ولكن إذا جلس الإسرائيليون والفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات، وبدأوا بحل مشاكلهم، فلن يكون هناك مبرر للعناصر التي تريد تدمير إسرائيل، وليس فقط العناصر القريبة في المنطقة، بل أبعد من ذلك. فما الذي سيدفع هذه العناصر لتحدي إسرائيل عندما يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بسلام؟ وسيكون الشعب الفلسطيني في مقدمة الشعوب التي ستقف في وجه ذلك وإلى جانبكم في مواجهته إذا ما حققنا حل الدولتين.

التلفزيون الإسرائيلي: لقد قمت حديثاً بتسجيل ملاحظة في غاية الأهمية، قلت إنك عندما جلست مع الإسرائيليين، لم يستطع أي منهم أن يعطيك إجابة على سؤالك حول كيفية رؤية إسرائيل خلال 10 سنوات. هل كنت تلمّح إلى العامل الديموغرافي؟

جلالة الملك: أعتقد أننا إذا تناولنا السؤال كما تطرحه، أولا: إن الأغلبية العظمى من الفلسطينيين والإسرائيليين يريدون السلام، ولكن نفس الغالبية محبطة جداً لدرجة أنهم يئسوا من حلول السلام، ما يدفع الشعوب اتجاه عقلية العيش مع الوضع القائم. لكن ما الذي يعنيه هذا "الوضع القائم" خلال السنوات المقبلة؟ هناك من يقول إن "الأردن هو فلسطين"، ولكن كيف سيكون ذلك؟ فالفلسطينيون لا يريدون هذا، ونحن بشكل حاسم وقطعي لا نريد للأردن أن يكون فلسطين. والطريقة الوحيدة التي يمكن لكم تهجير الفلسطينيين بها هي القوة والعنف. ولكن هل سيقر المجتمع الدولي وإسرائيل ذلك؟ وحتى لو كان هناك عصى سحرية أدت إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، فهل ستكونون قد حللتم مشاكلكم بعيدة المدى؟ السكان العرب في إسرائيل سيشكلون التحدي الديموغرافي لإسرائيل في المستقبل. فمستقبل إسرائيل كما أراه، إذا لم نحل مشاكلنا اليوم ونحن في موضع القدرة لتحقيق ذلك، ستتراجع الخيارات التي ستتوفر لديكم في المستقبل شيئاً فشيئاً وستزداد صعوبة. ولذلك فإن مبدأ تأجيل مواجهة حل المشكلة والقول: "سنحلها خلال سنة أو سنتين" – أعتقد أن المعطيات التي تؤثر على إسرائيل ستكون أكثر خطورة. فهناك 22 دولة عربية مسلمة، ومجموع الدول المسلمة والعربية 57 دولة، تريد حلاً لهذه المشكلة.

التلفزيون الإسرائيلي: بما أنك أشرت إلى الأردن وفلسطين، هل مازال لديك أي قلق حيال سحب حزب الليكود فعلاً لمقترح أن يصبح الأردن الدولة الفلسطينية المستقبلية؟

جلالة الملك: لا أعتقد أن ذلك قابل للنقاش، ودعني أكون صريحا جدا هنا، هذه فكرة ساذجة لدرجة إنني كنت لا أكترث بالرد عليها. وكنت أقول هذا جنون وأكتفي بذلك. وكما وصفت لك، كيف يمكن تحقيق هذه الفكرة عمليا، وهل سيقبل بها المجتمع الدولي، وحتى لو قبل، لسبب غريب ما، ولا أعتقد أن ذلك سيحدث أبداً، هل سيحل هذا مشاكل إسرائيل طويلة المدى؟ لآ.

التلفزيون الإسرائيلي: السبب في سؤالي حول هذا الموضوع هو أنني أسأل نفسي... لقد قلت مؤخراً أن العلاقة بين إسرائيل والأردن قد وصلت أدنى مستوياتها منذ أن وقّع والدك معاهدة السلام. فأنا أتساءل إذا كان ذلك كله مرتبطاً بعملية السلام؟

جلالة الملك: أغلبه مرتبط بالعملية السلمية، لأننا لم نتمكن من تحقيق رؤية السلام والاندماج الإقليمي. من الممكن أن يكون لديك سلام، ولكن إذا كانت شعوبنا غير قادرة على التواصل، وإذا لم نستطع أن نحقق حرية الحركة بسبب القضية الفلسطينية، فإن السلام الموجود فعلاً هو مجرد سلام ينظر الناس فيه إلى بعضهم البعض عبر الحدود. وكما أشرت سابقاً، إذا نظرت إلى البعد الاقتصادي وحده، فخلال العشر سنوات الماضية رأيت مشاريع اقتصادية تتجاوز إسرائيل.

فالشعوب تتطلع إلى الطاقة البديلة، والطاقة النووية للشبكة الكهربائية، مشاريع مائية جديدة، ومشاريع سكك الحديد. فحكومتكم بدأت حديثاً بالاستثمار في سكك الحديد، فكيف ستساهم هذه الطرق في مستقبل إسرائيل إذا لم تستطع أن تتجاوز حدود الدولة؟ نحن ماضون بحياتنا، هذا ما أعنيه الآن، وهذا هو المحزن في قبول "الوضع القائم"، ولن يتحقق السلام الحقيقي من دون حل الجانب السياسي.

التلفزيون الإسرائيلي: لست متأكدا أنني فهمت لماذا وصلت العلاقة لهذا المستوى المتدني؟ فلماذا إذا؟

جلالة الملك: لأنه من الصعب أن يتحقق التكامل الاقتصادي من خلال مناسبات لالتقاط الصور فقط، و إذا لم يكن هناك حل للوضع سياسي، فلدى الرئيس بيريز أفكار طموحة للغاية حول مشاريع إقليمية كبرى. ولكن كيف يمكن للإسرائيليين، والفلسطينيين، والأردنيين وغيرهم حضور احتفال ترفع فيه الأعلام لإطلاق هذه المشاريع، عندما نكون سياسيا في حالة صراع؟ أعتقد أن هذا هو السبب لتراجع العلاقة.

التلفزيون الإسرائيلي: ولكن، إذا لم أكن مخطئا، فإن علاقتك الشخصية مع الرئيس نتنياهو قد ساءت أيضاً. فقد ذكرت قبل سنة أن الفترة التي تزامنت فيها مع نتنياهو كانت غير سارّة، إذا كان اقتباسي صحيحاً؟

جلالة الملك: بما أنك ذكرت ذلك، لقد التقينا هنا الشهر الماضي، وكان اجتماعاً صريحاً، عبرنا خلاله بوضوح عن آرائنا. وتبادلنا شرح وجهات نظرنا عن رؤيتنا للمستقبل. لذلك أفضل عدم إصدار الأحكام الآن، وأؤكد بأن الكثير مما سيحدث في واشنطن سيحدد إذا ما كان الأردن وإسرائيل سيستطيعان التحرك إلى الأمام، ذلك أن التحدي هو في الانتقال من الأقوال إلى الأفعال. وإذا ما استطعنا تحقيق ذلك، فإن العلاقات بين بلدينا ستتحسن.

التلفزيون الإسرائيلي: إنك على اتصال مع "أبو مازن" والفلسطينيين. نحن لسنا في صدد وضع اللوم على أي أحد، ولكنني كثيرا ما أسأل نفسي، إذا ما كان الفلسطينيون يتحملون بعض المسؤولية لعدم التقدم في عملية السلام خلال العقد الماضي، فقد طرح عليهم على الأقل مرتين، بما أراه عرض إسرائيلي سخي وجيد لإنهاء الصراع، ما أعنيه هو كامب ديفيد في عام 2000، وخلال حكومة أولمرت. لكنهم كانوا مترددين.

جلالة الملك: حسناً، أود أن أحذر هنا، خصوصا قبل التوجه إلى واشنطن، من تبادل أصابع اللوم. ما أراه هو أن السياسيين على الجهتين لا يشعرون بتمكين الشعوب لهم، وهذا ليس بسبب أن الشعوب لا تريد السلام بل لأنها محبطة لاعتقادها بأن السلام لن يتحقق. وبغض النظر عمّا سيحدث في واشنطن، وأملي أن تتحرك المفاوضات المباشرة إلى الأمام، من المهم أن يؤمن الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي بأن السلام سيتحقق. فالسياسيون يشعرون بالتوتر ونحن نريد للسياسيين أن يكونوا أقوياء، وأن يستمدوا هذه القوة من شعوبهم.

كل القضايا التي ستثار ستكون مدار نقاش داخل مجتمعاتنا وسيحتد النقاش كثيراً، ولا أعتقد أن أي قائد سيعود بحل مثالي. ولذلك يجب أن نتفهم بشدة هذا الموضوع. وآمل أن القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية ستعودان لشعوبهما – إذا ما نجحنا في إحراز تقدم – ليقولا لشعب إسرائيل وشعب فلسطين: هذا أفضل ما استطعنا الحصول عليه. هل ستصوتون للسلام أم للوضع القائم؟ وبرأيي، فإذا وضعنا مستقبل أطفالنا نصب أعيننا، فسيكون هذا هو العامل الأهم في دعم السياسيين أو عدم دعمهم.

فلدى الأم الفلسطينية والأم الإسرائيلية نفس المخاوف والقلق من الشعور بعدم الأمان. إن مسؤولية السياسيين تقديم الأفضل لشعوبهم، وأنا أؤمن بالإنسانية وبأننا جميعا ننشد نفس الشيء: أن يكون أصدقاؤنا بأمان، نريد الازدهار، نريد حياة كريمة، نريد أن نهتم بأطفالنا ونرعاهم. على السياسيين أن يوفروا ذلك لشعوبهم. لذا سيكون الحسم في واشنطن، بمعنى هل سنستطيع أن نوفر المستقبل الذي نريده لشعوبنا، أم سنترك شعوبنا عرضة لعقد آخر من العنف.

التلفزيون الإسرائيلي: مع اقترابنا من موعد قمة واشنطن، ما هي الرسالة التي تريد توجيهها للشعب الإسرائيلي؟

جلالة الملك: حسناً، أعتقد أن الرسالة التي لدي هي رسالة الأمل لنا جميعاً. هذه برأيي الفرصة الأخيرة لنا جميعاً لإيجاد المستقبل الذي نفخر به لنا ولأطفالنا. لا تنظروا إلى واشنطن كمحطة للتفاوض فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل كفرصة للسياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين للتحرك إلى الأمام نحو حل الدولتين ما يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية تعيش بأمن إلى جانب إسرائيل، وبالتالي التقدم نحو السلام الذي يتيح لإسرائيل التكامل مع 57 دولة عربية وإسلامية.

كنت أسمع والدي يقول: "أنا أعمل للسلام لأبنائي ولأحفادهم"، وسيكون من المحزن جداً إذا اضطررنا لذكر ذلك مرة أخرى بسبب عدم تحقيقه، ونظل نسعى لتحقيق السلام لأطفالنا وأحفادهم، بدلا من تحقيق السلام الآن لنا ولأطفالنا.

التلفزيون الإسرائيلي: قبل أن أتمنى لك وللجميع النجاح في واشنطن يجب أن أسألك كون الأردن قد حسن علاقاته مع سوريا، وأنا أيضا من مناصري فتح القنوات مع سوريا، ولكن الأسد صعب معنا. وليس هناك أي إيماءات من طرفه أو كلمات ناعمة، والأسوأ أنه يصطف مع أشد أعداء إسرائيل: حزب الله وإيران، فهل يمكن أن تساعدني في قراءة بشّار؟

جلالة الملك: من خلال نقاشاتي مع الرئيس بشار، فإن سوريا ملتزمة بعملية السلام الشامل. وعندما انظر إلى الشعب الإسرائيلي، أرى أن ما يحدث في واشنطن لا يخص الإسرائيليين والفلسطينيين فقط، وإنما يخص مستقبل إسرائيل مع العرب، ومستقبل إسرائيل مع العالم الإسلامي. وباعتقادي أن السوريين سيكونون مستعدين للتحرك للأمام إذا كنا صادقين مع بعضنا البعض، وإذا أظهرت العملية التزاما بالسلام الذي يخدم مصالح جميع الأطراف.

التلفزيون الإسرائيلي: جلالة الملك، أشكرك جزيل الشكر على هذا اللقاء، وأتطلع لرؤيتك في واشنطن مع أنك ستكون في الداخل وسأكون أنا في الخارج.

جلالة الملك: أتطلع لرؤيتك هناك. شكراً جزيلا لك.