كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في المنتدى العالمي للاجئين بجنيف

١٣ كانون أول ٢٠٢٣

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في المنتدى العالمي للاجئين
جنيف، سويسرا
13 كانون الأول 2023

(مترجم عن الإنجليزية)


بسم الله الرحمن الرحيم

المفوض السامي غراندي،
أصحاب السعادة،
أصدقائي،

أود أن أشكر سويسرا والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على استضافة هذا المنتدى. وأتوجه بالشكر أيضا إلى الدول الشريكة لنا في عقد المنتدى، لإدراكها الحاجة إلى تسليط الضوء على أزمة اللاجئين كقضية عالمية كبرى، وهي قضية يعرفها الأردن جيدا.

يستضيف الأردن ما يقارب 4 ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة، بما في ذلك حوالي 1.4 مليون سوري. يمثل اللاجئون بالمجمل أكثر من ثلث سكاننا البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة.

إن منح الملاذ الآمن للاجئين جزء لا يتجزأ من المبادئ الوطنية الأردنية، خصوصا في هذه المنطقة المضطربة، فلا يمكننا أن ندير ظهورنا لهم لأن ذلك يتنافى مع صميم هويتنا. لكن الأردنيين يشعرون بشكل متزايد بأن العالم يدير ظهره لهم، ويتجاهل جهودهم كمستضيفين للاجئين.

وبينما تتزاحم الأزمات الخطيرة لتستحوذ على الاهتمام الدولي، يتراجع التركيز على محنة اللاجئين والبلدان المستضيفة لهم، إلا أن المجتمع الدولي لا يملك ترف تجاهل هذه القضية.

أصدقائي،

قبل بضعة أشهر، تحدثت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وحثثت العالم على عدم نسيان اللاجئين السوريين. والآن، بينما نجتمع نجد أنفسنا نتعامل مع أزمة نزوح أخرى في المنطقة، فقد اضطر أكثر من 1.9 مليون فلسطيني في غزة، والكثير منهم يعد من اللاجئين، إلى الفرار من منازلهم داخل القطاع وسط حملة قصف متواصلة.

ومع توجه كل الأنظار نحو غزة، يتعين على المجتمع الدولي أن يدرك أكثر من أي وقت مضى أن الحلول المؤقتة لم تعد ممكنة، وأن الأزمات العالمية تستوجب التشارك في تحمل المسؤولية على المدى الطويل.

وبدوره، يضغط الأردن باتجاه استجابة إنسانية أكثر تنسيقا في غزة، ونقدم الدعم للأشقاء الفلسطينيين ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بكل الطرق الممكنة، لكن بلادنا لا تزال تتحمل التكاليف والأعباء الثقيلة الناجمة عن استضافة مجتمعات اللاجئين التي تعيش بيننا.

ولتوضيح حجم هذا العبء بشكل أكبر، يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في الأونروا في الأردن 2.3 مليون لاجئ، بالإضافة إلى أكثر من 730 ألفا آخرين مسجلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهناك حوالي مليون لاجئ آخر غير مسجل في أي من الوكالتين.

لذا فإن للشركاء الدوليين دورا حيويا في التعامل مع ذلك، وقد حظيت خطة استجابتنا لأزمة اللاجئين السوريين باعتراف عالمي، ومع ذلك لم يسبق وأن تم تمويلها بالكامل على الإطلاق. والواقع أن التمويل الدولي اللازم للوفاء بالتعهدات، في انخفاض مضطرد، وحتى الآن، لم نتلق هذا العام سوى حوالي 22 بالمئة من احتياجات خطة الاستجابة، وهو أدنى مستوى على الإطلاق. 

ويتم تغطية ما تبقى من الاحتياجات من خلال الموازنة العامة للأردن، الأمر الذي فاقم من تحدي النفقات وتسبب بضغوط إضافية على مواردنا المستنزفة، خاصة المياه، في الوقت الذي نعمل فيه جاهدين للتعامل مع التبعات المزدوجة لأزمة اللجوء والتغير المناخي.

وفي بلد تعد حصة الفرد فيه من المياه من أقل الحصص على مستوى العالم، أصبحت تلبية احتياجات المياه للمواطنين واللاجئين تحديا خطيرا. ويهدف أحد المشاريع الكبرى الذي نأمل أن يخفف من هذه الحالة الطارئة إلى تحلية مياه البحر الأحمر من خليج العقبة، ليتم تزويدها إلى المراكز السكانية الرئيسة.

وسنبقى ملتزمين بتوفير التعليم للاجئين في مدارسنا، وتقديم الخدمات الطبية لهم في مستشفياتنا، وتمكينهم من الوصول إلى الفرص لكسب معيشتهم، لكن توفر التمويل الكافي محوري لنتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية. 

وفي ظل غياب الالتزامات بعيدة المدى في التمويل الدولي المرن، ستتزايد هشاشة الظروف المعيشية للاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم في الأردن، وستتعاظم المخاطر التي تواجههم.

كما أن الانخفاض الحاد في تمويل وكالات رئيسة كبرنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يؤثر سلبا على مستوى الخدمات المقدمة للاجئين، بما في ذلك المساعدات النقدية والتعليم والرعاية الصحية. فبعد تقليص الدعم المقدم من برنامج الأغذية العالمي هذا العام للاجئين المعرضين للخطر، أصبح التراجع في الأمن الغذائي والاعتماد على الذات حقيقة مرة للغالبية العظمى منهم، إذ يعاني 91 بالمئة منهم من انعدام الأمن الغذائي، مقارنة بـما نسبته 63 بالمئة قبل تقليص الدعم.

أصدقائي، 

لسنوات عديدة، وفرنا نحن وغيرنا من الدول المستضيفة، الملجأ والتعليم والخدمات الصحية وفرص العمل والموارد للاجئين، على الرغم من الكلفة الباهظة التي جاءت على حساب تقدمنا الاقتصادي، لكننا نعي أن هذا التزام طويل المدى نتحمله بالنيابة عن المجتمع الدولي. وبنفس القدر، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يلجأ للحلول قصيرة المدى وأن يتجاهل هذه الأزمة ليمضي إلى التعامل مع الأزمة التي تليها.

لطالما حذر الأردن من مخاطر ترك جيل ضائع وراءنا، إلا أنه عوضا عن إحراز تقدم في الوصول إلى حل لأزمة اللجوء المتجددة والمستمرة بالتوسع، ورغم نشوء أزمات لجوء جديدة، نرى الاهتمام بهذه الأزمة يتضاءل. لا يمكن لهذا الحال أن يستمر، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يزدهر إذا أدار ظهره للفئات الأكثر ضعفا.

فلنعمل معا لنجاح هذا المنتدى.

شكرا لكم.