كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني امام القمة العربية

٢٨ آذار ٢٠١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمين،

فخامة الرئيس جلال طالباني،
أصحاب الفخامة والسمو،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فيسرني أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى فخامة الأخ الرئيس جلال طالباني، ولحكومة وشعب العراق الشقيق، لاستضافتهم القمة العربية الثالثة والعشرين التي تأتي لتؤكد حرص العراق الشقيق على تعزيز التعاون مع أشقائه العرب، بما يخدم مصالح الأمة ويحقق تطلعاتها وأمانيها في المستقبل الأفضل، ونؤكد مجددا دعمنا ووقوفنا إلى جانب العراق، وإدانتنا لمحاولات زعزعة أمنه واستقراره.

كما أتوجه بالشكر والتقدير للجامعة العربية وأمينها العام الدكتور نبيل العربي، الذي نتمنى له كل التوفيق والنجاح، على الجهود الطيبة التي قاموا بها من أجل الإعداد لانعقاد هذه القمة، وتوفير كل أسباب النجاح لها.
ويسرني ايضا ان اهنئ العراق الشقيق، شعبا وقيادة، بتولي رئاسة القمة العربية في دورتها العادية الثالثة والعشرين، التي تستضيفها بغداد الحبيبة، وهي المدينة التي كانت وعلى الدوام منارة وضاءة من منارات العروبة، وحاضرة اساسية من حواضرها، ونحن على ثقةٍ بان العمل العربي المشترك سيشهد بقيادة العراق الشقيق، نقلة نوعية باتجاه المزيد من التطور والتعاون وأهنئ مجددا ليبيا العزيزة وشعبها الشقيق الذي ساندنا منذ اللحظة الاولى، على تحقيق تطلعاته المشروعة في نيل الحرية والكرامة والعدالة والتنمية.

فخامة الأخ الرئيس،
الأخوة القادة العرب،

تنعقد هذه القمة، في ظروف إقليمية وعالمية استثنائية، وفي زمن يشهد فيه عالمنا العربي، تحولات وتحديات مصيرية، تفرض علينا مسؤوليات كبيرة، لبلورة رؤى إستراتيجية موحدة، لحماية مصالح أمتنا، وتعزيز إمكانياتنا وطاقاتنا، للتأثير في مسار الأحداث، التي تمس أمتنا، فالظروف التي تمر بها هذه الأمة، تدعونا إلى العمل بإخلاص من أجل الارتقاء بالتضامن العربي، ومأسسة العمل العربي المشترك، وترجمته على أرض الواقع، فعلا لا قولا، لردم الفجوة بين طموحات شعوبنا وبين الواقع الحالي، فشعوبنا تمر بحالة من الإحباط وانعدام الثقة بالمستقبل، وترنو إلى التغيير الذي يحمل معه الأمل بتأمين المستقبل الأفضل لها وللأجيال القادمة.

كما تنعقد هذه القمة ايضا في وقت لازالت فيه امتنا العربية تواجه العديد من التحديات المصيرية، التي تحتم علينا جميعا العمل على صياغة مقاربة إستراتيجية عربية جماعية وموحدة ومتماسكة، تمكننا من مواجهة هذه المصاعب والتحديات بتناغم وفاعلية واقتدار، لصون مصالحنا ومقدراتنا، وتعزز إمكاناتنا في التأثير على الأحداث التي تمس قضايانا المختلفة.

ومن هنا، فإننا نرى ضرورة العمل فورا، وبشكل منهجي وجاد، على تعزيز وتطوير وتمكين مؤسسات واطر العمل العربي المشترك، وفي المقدمة منها جامعة الدول العربية، التي تحتم علينا طبيعة التحديات التي نواجه وحقائق الواقع الدولي والاقليمي الذي نعيش، والقائم على محورية دور المنظمات والهيئات الإقليمية في العلاقات الدولية بجوانبها كافه، أن نمضي بالعمل على تعزيز و تقوية دورها، وتنشيط أجهزتها والياتها و مجالسها المختلفة، لتواكب ما ينبغي أن تكون علية المنظمات الإقليمية في القرن الحادي والعشرين، أسوة بما حققه الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وغيرها من المنظمات الإقليمية الأكثر حداثة في عمرها من جامعة الدول العربية.

ولا بد لنا أن نرتكز في صياغة مقاربتنا الإستراتيجية العربية، على استكمال مسيرة تنقية الأجواء العربية، وتوحيد جهودنا ومواقفنا إزاء قضايانا المصيرية ومصالح امتنا الحيوية، التي تتعذر حمايتها والدفاع عنها بوجود أي خلافات بيننا، ومن هنا فإننا ندعم كل جهد مبارك يهدف إلى تحقيق التضامن العربي الحقيقي، وإلى تجاوز كل الخلافات العربية - العربية، والتي يفتح وجودها واستمرارها الباب واسعا لتدخل الغير في شؤون بيتنا العربي، ليس لنصرة قضايانا العادلة وتأمين مصالحنا المشروعة، وإنما لمآرب أخرى مرتبطة بطموحات الهيمنة والتمدد والنفوذ للغير.

اما شبابنا العربي، والذي يشكل أغلبية في مجتمعاتنا، فهو بحاجة لفرص عمل جديدة، ومستويات معيشية أفضل، وهو قادر بما يملكه من إرادة وعزيمة، وعقول مبدعة وطاقات خلاقة، على تحويل التحديات إلى فرص حقيقية.. لكنهم في ذات الوقت، بأمس الحاجة، إلى أن نفتح لهم الباب، ليكونوا شركاء في تحمل المسؤولية تجاه إحداث التغيير الإيجابي المطلوب، في مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، الذي يخدم مصالح أوطانهم ومستقبلها.


فخامة الأخ الرئيس،
الأخوة القادة العرب،

إن التحديات التي تواجهها أمتنا، والتحولات التاريخية والاقتصادية التي تشهدها منطقتنا والعالم من حولنا، تجعل من المستحيل على أي بلد من بلداننا، أن يتصدى لها بشكل فردي، بل تحتاج إلى جهودنا جميعا، للارتقاء بمنظومة العمل العربي المشترك، والنهوض به إلى مستوى يوازي التكتلات السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية، فالتضامن العربي، يبقى هو الرديف للتكامل العربي بكل معانيه وأشكاله، الاقتصادي والسياسي والديموغرافي.. ومن مصلحتنا أن ننجح في تحقيق هذا الهدف، وهناك فرصة حقيقية أمامنا للنجاح.

إن الأردن الذي تأثر مثل سواه، بالانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية الصعبة، يواجه ومنذ سنوات، الكثير من المعيقات والتحديـات الاقتصادية، وفي مقدمتها التصاعد في أسعار الطاقة، وعدم الاستقرار في إقليمنا الملتهب، وأعباء الدين التي تستنزف الموازنة العامة للأردن.. هذه كلها أثرت على جهودنا الرامية إلى استكمال بناء اقتصاد وطني قوي، وإيجاد مسار للنمو والتنمية، وتوفير فرص العمل، للآلاف من الشباب المؤهلين، الذين يعانون مثل أقرانهم في الدول العربية من تحديات الفقر والبطالة.

وأمام مثل هذا الواقع، الذي يعاني منه، عدد كبير من الدول العربية، فقد بات الأمر، يتطلب منا جميعا العمل معا، من أجل بناء شراكات اقتصادية قوية، لمواجهة التحديات الاقتصادية، وتحقيق النمو الاقتصادي، الذي يوفر لجيل الحاضر سبل الحياة الكريمة، ويحفظ للأجيال العربية القادمة مستقبلها.. ونحن في الأردن، على استعداد دائم لرفد أي دولة بالخبرات والكفاءات المؤهلة، التي أثبتت على مدى سنوات طويلة قدرتها على الإبداع والابتكار.. كما أن أبواب الاستثمار مفتوحة أمام الجميع، لا سيما في المشاريع الكبرى والقطاعات الحيوية.

فخامة الأخ الرئيس،
الأخوة القادة العرب،

إن غياب الحل العادل والقادر على الديمومة للقضية الفلسطينية وتفاقم الوضع في سوريا، وتصاعد نذر مواجهة عسكرية مع إيران، فضلا عن التحديات التي تواجه دول "الربيع العربي" لترسيخ الأمن والاستقرار وإعادة البناء، هي كلها قضايا تفرض علينا تعقيداتها، واقعا جديدا، لا بد معه، من الوصول بإرادة مشتركة، إلى مستوى جديد من العمل الجاد والمخلص.

فالقضية الفلسطينية، هي جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وستبقى المنطقة، تعاني من حالة التوتر وعدم الاستقرار، وسيبقى هناك خوف وقلق، من مخاطر مستقبلية ستواجهها المنطقة، وتجرها إلى الهاوية ويدفع بها نحو المجهول، إذا لم يتم التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ودائمة لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والقائم على حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، والقابلة للحياة على أساس خطوط1967 وعاصمتها القدس.. وهذا الحل، يشكل السبيل الوحيد لإنهاء عقود طويلة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في اطار انهاء الصراع العربي الاسرائيلي وعودة جميع الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 بما فيها الجولان العربي السوري وما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة.

لقد ظهر للعالم أجمع، جدية وصدق نوايا العرب والفلسطينيين، في التوصل إلى السلام العادل والشامل.. اما اسرائيل فمستمرة في سياسات الاستيطان والسياسات الموجّهة ضد السكان والتي تمثل إنتهاكات جسيمة لمبادىء القانون الدولي وإتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وما زالت تتجاهل مبادرة السلام العربية، التي تعكس موقفا عربيا موحدا لتحقيق السلام الشامل والدائم الذي يضمن الأمن والاستقرار الحقيقي في المنطقة.

إن الجمود الذي يعتري جهود السلام، وعدم وجود مفاوضات جادة، يخدم الحكومة الإسرائيلية فقط، ويسمح لها بان توغل في أعمالها غير القانونية وغير الشرعية، الهادفة إلى فرض حقائق على الأرض، دون وجود أي رادع أو قيد على ذلك، ومن هنا، فقد بادرنا الى تكثيف تحركاتنا الاقليمية والدولية، بغية كسر الجمود المسيطر على مساعي تحقيق السلام في العام الاخير، وقامت الحكومة الاردنية، ممثلة بوزارة الخارجية، بالمبادرة في الدعوة الى لقاءات إستكشافية بهدف استشراف امكانية ايجاد الارضية التي تسمح باستئناف المفاوضات المباشرة وفق بيان الرباعية الدولية الاخير في ايلول 2011 وصولا الى حل شامل مع نهاية عام 2012 يتضمن معالجة شاملة ايضا لقضايا الوضع النهائي كافة طبقا للمرجعيات الدولية المعتمدة ومبادرة السلام العربية بعناصرها كافة وبما يصون بالكامل المصالح الاردنية العليا. ونحن على اتم الاستعداد وكدأبنا دوما، في القيام بكل ما هو ممكن ومطلوب لاسناد الشعب الفلسطيني الشقيق والمرابط وتعزيز صموده، وكذلك في تقديم الدعم الكامل لفخامة الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وللسلطة الوطنية الفلسطينية في مساعيهم الرامية الى انجاز حل الدولتين وتحقيق السلام عبر بوابة اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، على التراب الوطني الفلسطيني، كما ويرحب الاردن باتفاق المصالحة الفلسطينية الذي رعته جمهورية مصر العربية الشقيقة وكذلك اعلان الدوحة الذي رعاه سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير دولة قطر الشقيقة.

فخامة الأخ الرئيس،
الأخوة القادة العرب،

تواجه مدينة القدس، هذه الأيام، إجراءات تعسفية خطيرة، تتمثل في محاولات فرض واقع جديد، في ساحات وجنبات الحرم القدسي الشريف، إضافة إلى استمرار الاحتلال وعمليات التهويد والتهجير. لذا فلا بد من اتخاذ موقف عربي موحد، أكثر حزما وفاعلية في مواجهة هذه الإجراءات، ودعم صمود أهل القدس وضمان حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولقد حذرنا مرارا من تهاون إسرائيل مع تصرفات المتطرفين اليهود الذين لا يدركون عواقب الاستهتار بمشاعر المسلمين في أرجاء العالم تجاه المسجد الأقصى المبارك، قبلتهم الأولى، وسنواصل الاضطلاع بدورنا الديني والتاريخي لحماية مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، وسيستمر بجهوده لدعم أهل القدس وفلسطين بكل الوسائل والسبل المتاحة، وبالتنسيق الدؤوب مع أشقائنا في السلطة الوطنية الفلسطينية، ونحن منخرطون الان في جهد دبلوماسي كبير في منظمة اليونسكو، لقطع الطريق على إسرائيل من أن تقوم بترميم جسر تلة باب المغاربة وفقا لمخطط بناء إسرائيلي، ونصر على أن تقوم المملكة الأردنية الهاشمية، بإجراء أعمال الترميم والتصميم، معولين في ذلك على مساندة أشقاءنا العرب في دعم جهودنا بالذود عن القدس الشرقية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وفي حث المجتمع الدولي على تحمل مسوؤليته في وقف كل هذه الانتهاكات الجسيمة، التي قد يؤدي استمرارها، إلى تهديد الامن والسلم الدوليين لما للقدس من مكانة رفيعة في وجدان مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين في العالم.

وإنني هنا أؤكد أهمية وحدة الصف الفلسطيني، التي من شأنها تقوية الموقف الفلسطيني، وتلبية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، للتخفيف من معاناته عبر تقديم المساعدات الممكنة له في الضفة الغربية وقطاع غزة لتمكينه من تجاوز الظروف الصعبة التي يواجهها.. وإنني أدعوكم لتقديم المساعدات اللازمة لمساعدة الأشقاء الفلسطينيين في بناء مؤسساتهم الوطنية، والتخفيف من حدة المعاناة التي يواجهونها.

فخامة الأخ الرئيس،
الأخوة القادة العرب،

ان أي مواجهة بين إيران من جهة، وإسرائيل والغرب من جهة أخرى – لا قدر الله – ستكون نتائجها كارثية على المنطقة وعلى العالم بأسره، وإن استخدام القوة، لا يدفع ثمنها سوى الأبرياء، وقد عانت منطقتنا، على مدى سنوات طويلة، من ويلات الحروب وآثارها المدمرة، ولذا فاننا ندعو الى تحكيم لغة العقل والمنطق واللجوء إلى الحوار، لحل هذه الأزمة وفي الوقت نفسه فان امن ودول الخليج العربية هو امر تعيره بلادنا جل الاهتمام وهو جزء اساسي من امننا الوطني.

أما بالنسبة لما يجري في سوريا الشقيقة، فإن موقفنا يقوم على أساس إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، في إطار البيت العربي المتمثل في خطة الجامعة العربية، ودعم مهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وإننا في الاردن ندعو إلى الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق في محنته التي يمر بها، وأن يكون هناك حوار جاد بين النظام والشعب للخروج من دوامة العنف والدمار، والحفاظ على إرثها الحضاري والإنساني فنحن جار لسوريا وشعبها العربي الاصيل وامنها من امننا ومصلحتها من مصلحتنا.

وختاما، أكرر الشكر مرة ثانية لأخي فخامة الرئيس جلال طالباني، لاستضافة هذه القمة والإعداد الجيد لإنجاحها، وإلى رئيس الوزراء نوري المالكي وحكومته، والشعب العراقي العظيم على كرم الضيافة.

وأسأل المولى عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير لأمتنا وشعوبنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.