كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني أمام قادة حزب الشعب الاوروبي
شكرا جزيلا للرئيس مارتينز، وشكراً لكم جميعاً.
ويسعدني أن أشارك في قمتكم اليوم.
لا مبالغة في القول بأن منطقتينا مرتبطتان في جميع القضايا الحيوية ، في تحقيق الازدهار والأمن والانسجام الثقافي وفي مجالات الطاقة والبيئة.
إن هذا الاعتماد المتبادل يمكن أن يكون حافزا للتقدّم أو عامل تأزيم، وهذا أمر نقرره نحن، وأنا أختار أن يكون عنصراً للتقدّم، وأعلم أن هذا هو أيضا خيار حزب الشعب الأوروبي.
اليوم أود الحديث بإيجاز عن ثلاثة محاور يمكن لشراكتنا أن تحقق تأثيرا كبيرا فيها. وإذا عملنا معاً، ستخطو بلادنا بشكل أسرع نحو تحقيق الأمن والازدهار المنشودين.
المحور الأول هو التعاون الاقتصادي، فقد يبدو تحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية بين الشرق الأوسط وأوروبا مسألة هامشية، لكنني أعتقد أن ذلك قضية أساسية.
وسوف تشهد منطقتنا خلال السنوات القليلة القادمة بلوغ جيل جديد سن الرشد، جيل يشكل 65% من مجموع السكان. وهذه الملايين من الشباب بحاجة لفرص عمل جديدة، فرص عمل جيّدة، ومستويات معيشة أفضل. ونجاحنا في تحقيق ذلك يعني استقراراً اقتصادياً أكبر. وسيمثّل هذا المستقبل الغني بالفرص أحد وسائل الرد الفعالة على من يحرضون على التطرف، وهذا مكسب لنا جميعاً يزيد من قدراتنا على مواجهة التحديات إننا نعرف الطريق الذي يجب أن نسلكه للمضي قدما. فلابد من الإصلاح، ولابد من مساعدات تنموية ناجعة ومبتكرة، ولابد من المزيد من الاستثمارات المباشرة. ولهذا نحن بحاجة إلى شراكة أوروبا المستمرة والفاعلة.
والأردن فخور بكونه الدولة الشرق أوسطية الأولى التي توصلت إلى خطة عمل في إطار «الوضع المتقدم» في الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وسوف تساعدنا هذه العلاقة على زيادة فرص الانجاز وتعزيز التكامل والانسجام مع المعايير والبنى المؤسسية الأوروبية.
وأنا شاكر لكم جميعا، فقد أيدتمونا بصداقتكم ودعمكم.
ونحن ماضون قدماً في تطبيق إستراتيجية وطنية للإصلاح، تكفل كلاً من النمو الاقتصادي وتمكين المواطن. وكنّا قد رحبنا بالمراقبين الأوروبيين خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخراً. ونحن نثمن عالياً دعم الاتحاد الأوروبي لجهودنا المستمرة لبناء مؤسسات المستقبل وتطوير آليات العمل.
وإن الشراكة التي تجمعنا في إطار «الوضع المتقدم»، تعكس قيمنا المشتركة والمتمثلة في الاعتدال واحترام الآخر. وهذا يقودني للحديث عن المحور الثاني من محاور التعاون، وهو الحاجة الملحة للتفاهم بين أتباع الأديان.
وابتداء أود أن أؤكد أن حزب الشعب الأوروبي يضرب مثالا، على مستوى العالم، في موقفه المؤيد للتسامح والرافض للتطرف وكما تعلمون فإن الأردن قد نهض بدور نشط للغاية في نشر قيم التسامح والاعتدال.
فقد عملنا وفق منهجية واضحة ومستمرة لتخفيف التوترات، التي تشكل تهديدا خطيرا على أمننا جميعا، بين أتباع الديانات المختلفة، وداخل الديانة الواحدة.
وقد بدأنا العمل بترتيب بيتنا الداخلي، فقبل ست سنوات، أصدرنا رسالة عمّان، التي تسعى لبناء إجماع حول ثلاث قضايا أساسية... تعريف من هو المسلم، وما هي العناصر المكونة للمعتقدات الإسلامية الأساسية؟ ومن له الحق في أن يتصدّى للإفتاء؟ وهل يجوز التكفير؟ حيث أن المنظمات الإرهابية دأبت على إصدار الفتاوى قبل الأعمال الإرهابية لتبرير هذه الجرائم، وهو الأمر الذي يرفضه ديننا الإسلامي الحنيف بالمطلق، وهل يملك أحد الحق بأن يكفر شخصا آخر في الإسلام؟ والغاية من وراء رسالة عمّان هي نشر الألفة والمحبة بين 5ر1 بليون شخص: هم مسلمو العالم. كما نالت الرسالة دعم علماء دين مرموقين على امتداد العالم الإسلامي.
وقد قال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الراحل، وهو المرجعية العليا في المذهب السنيّ، عن محاور رسالة عمّان الثلاث أنها «خير مرجع لكل من يريد أن يسير على الطريق المستقيم في قوله وفعله، وفي سلوكه ونهجه».
وفي عام 2007، دعم الأردن مبادرة «كلمة سواء» التاريخية، ومن خلال هذه الرسالة المفتوحة الموجهةً من قبل 138 عالماً مسلماً وتنادي المبادرة بـ «حب الله» و»حب الجار»، وهي وصية تتشارك بها الأديان التوحيدية الثلاثة، ما يجعلها قاعدة للعلاقات السلمية بين المسلمين والمسيحيين.
وفي كلمته التي ألقاها في مسجد الملك الحسين في عمان عام 2009، وصف قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الرسالة المفتوحة التي وجهت له ضمن مبادرة كلمة سواء، بقوله: وأقتبس: «إن هذه الرسالة شكلت صدى لموضوع مشابه لما جاء في أول رسالة عامة لي: الرابط العميق بين محبة الله ومحبة القريب، وكذلك أيضا التضارب الأساسي الكامن في اللجوء إلى العنف والتهميش باسم الله».
وخلال هذا العام أيضاً، حمل الأردن رسالة السلام بين الأديان ومضى بها للعالم أجمع. وقد قمنا بذلك من خلال إطلاق أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، والذي سيتم إحياؤه في الأسبوع الأول من شهر شباط من كل عام.
ويمثل هذا الأسبوع مناسبة تطوعية، يبادر الناس من خلالها للتعبير عن تعاليم دينهم حول التسامح واحترام الآخر والسلام. وعندما تقدَّم الأردن باقتراح هذا المشروع في الأمم المتحدة في أيلول الماضي، أيدنا العديد من الأصدقاء من مختلف دول العالم. وأتمنى أن يسهم هذا الحدث العالمي في تحقيق المزيد من التقارب بين الشعوب. وأنني أتطلع للتعاون مع الاتحاد الأوروبي لنشر هذه المبادرة من خلال دعم النشاطات التي ستنطلق في إطار هذه المبادرة في الدول التي ستشارك فيها.
المحور الثالث في ميدان التعاون المشترك هو السلام: السلام القائم على حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على أساس حل الدولتين فبهذا الحل وحده، وليس بغيره، يمكننا الوصول إلى الاستقرار الإقليمي والدولي الضروريين في هذه العصر المحفوف بالأخطار.
فبالنسبة للفلسطينيين، يمثل هذا الحل ضمان مستقبل آمن في دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وذات سيادة على ترابهم الوطني. ويعني هذا بالنسبة للإسرائيليين الأمن الحقيقي الذي ستوفره العلاقات الطبيعية ليس فقط مع جوارهم، بل مع 57 دولة عربية وإسلامية؛ أي مع ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فإن هذا الحل يعني سيادة الأمن في إقليم متصالح مع ذاته، ما يمكننا من تكريس مواردنا للتنمية والتقدّم. وبالنسبة للمجتمع الدولي، فإن هذا الحل يعني توفير الأمن لتحالف عالمي يجمع دعاة الاعتدال والعدالة، وتحقيق النصر على كل من يستغّل الصراع لنشر التطرف والفرقة.
إن صوت أوروبا المؤيد لضرورة تسوية الصراع هو موضع احترام وترحيب. كما أن انخراطكم قد أصبح أمرا أساسيا، ليس فقط من حيث دعمكم للمفاوضات، بل ميدانيا أيضاً من خلال مساعدتكم الفلسطينيين على بناء مؤسساتهم، بحيث أنه متى تم التوصل إلى اتفاق، تكون دولتهم قد تأسست وأصبحت جاهزة للمضي قدما بفعالية.
إن الوضع الحالي يتطلب منا جميعا مستوى جديدا من العمل. فالحقائق على الأرض تتغير بسرعة، وإذا ما فشلت المفاوضات حاليا، فإن حل دولتين، وهو الحل الوحيد القابل للتطبيق، قد يغدو غير ممكن. وإذا ما قُتل هذا الأمل، فيمكن أن نتوقّع المزيد من الصراعات الأشد شراسة. فأوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى عديدة متورطة اليوم في النزاعات الإقليمية. أرى سيناريوهات كارثية إذا ما قتل الأمل بالسلام. يجب علينا أن نصل إلى الحل في العام 2011 وإلا سندفع جميعا الثمن.
أصدقائي، لقد لفت انتباهي كتابة اسم حزب الشعب الأوروبي بـ 34 لغة مختلفة على الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني للحزب، وليس هنالك من مثال أوضح من هذا لإثبات أن الناس مستعدون للتلاقي على قضية مشتركة تسير بهم نحو مستقبل مشترك. ويبعث هذا المثال برسالة مهمّة حول السبل الأفضل لحل مشكلات القرن المعقّدة.
ويسرني أن أدعوكم اليوم لعقد قمتكم القادمة في الأردن، في موقع مغطس السيد المسيح.
وختاما، أشكركم على دعوتي للانضمام لكم هذا اليوم.