قصر رغدان
هو البيتُ الهاشميُّ الأوّل فوق ذرى عمّان، والعِمارةُ الهاشميةُ التي ارتفعت شامخةً تجسّد قصةَ عمّان بتاريخها وحضارتها وتُنبئ عن عهد جديدٍ من الازدهار والتطوير والعمل من أجل المستقبل. هذا البناءُ الذي اجتمعت في أركانه السياسةُ والاقتصاد والأدب، هو مركزُ القيادة، وعنوانُ الحكم، ودارُ الشعب، وبيتُ الأمة.
"اختار الأمير عبدالله بن الحسين اسم "رغدان" لأول قصرٍ يبنيه، تيمُّناً بالرغد والهناء، ومبعثاً للأمل والتفاؤل"
اختار الأمير عبدالله بن الحسين اسم "رغدان" لأول قصرٍ يبنيه، تيمُّناً بالرغد والهناء، ومبعثاً للأمل والتفاؤل.
سُمّي برغدانَ مِنْ عَيْشٍ به رغدٍ ما نالَهُ في قديمِ العهدِ غُمدانُ
استغرق بناءُ قصر رغدان العامر ثلاث سنوات (1924-1927)، ويمكن تحديد تاريخ الانتهاء من بنائه استناداً إلى أمرين: استقبال سموّ الأمير عبدالله الشعراء فيه، وكان أحدهم شاعراً عراقياً اسمه عبد المحسن الكاظمي أورد في ديوانه أنه زار قصر رغدان عام 1927 وأنشد فيه يقول:
هل مثل رغدان في الورى علمٌ تأوي إليه الدنيا وتلتجئُ
أما الأمر الثاني فهو أبيات الشاعر سليم الحنفي التي تَظهر في سقف إحدى قاعات رغدان الرئيسية، والتي جاء في نهايتها: "كتبه سليم الحنفي 1343هـ"، وهو العام الهجري الذي يوافقه عام 1927م مع مراعاة فرق الأيام. ومن هذه الأبيات:
فإنْ تُسابِقْهُ للعَليا ربوعُ ندى حتى تفوقَ فأرِّخْ فازَ رغدانُ
في ذاكرة رغدان
قصر رغدان هو البداية لمجمّع العمارة الهاشمية التي تقف بزهوٍ كامتدادٍ للتاريخ العريق، حيث اشتُهر القصر بمجالس الأدب والشعر، فالتقى فيه كثيرٌ من الشعراء العرب مثل: عمر أبو ريشة، وعبدالمنعم الرفاعي، وعبدالمحسن الكاظمي، وفؤاد الخطيب، وكامل شعيب العاملي، وضياء الدين الرفاعي، ومصطفى وهبي التل (عرار).
ومن شعر كامل العاملي في قصر رغدان وهو يدعو للإخوّة والعروبة، قوله مخاطباً جلالة الملك عبدالله (الأول) ابن الحسين:
قُمْ آخِ ما بين رغدان وصاحِبِه ووفِّ عن مصرَ حقَّ الودِّ رغدانا
وعندما كان الخطبُ يشتدّ في منطقة عربية فإن رغدانُ هو الوجهة التي يقصدها الأحرار، كما حدث عام 1939، إذ شهد القصر مهرجاناً عربياً سياسياً قومياً، وألقى الشاعران مصطفى وهبي التل (عرار) وفؤاد الخطيب قصيدتين باسم الأردن رحّبا فيهما بوفود العرب، ومما جاء في قصيدة "عرار":
جاءت دمشقُ إلى عمّان زاحفة وطالما سادت الأوطان أوطاني
إنّ الحميّة ما زالت كعهدِكُمُ ذخرَ الميامين من علياءِ وعدنانِ
والهاشميون أدرى الناسِ قاطبةً بأنّ زمزمَ والأردنَّ صِنوانِ
يومٌ لرغدان من أيامِ عدنان أعادَ ما كانَ من عزٍّ وسلطانِ
يُطلّ قصر رغدان على عمّان، وقد اختير موقعه بحيث يكون قلبَها النابض، وجاءت حجارته من
أرض معان، ملفى الأمير الأول، وأبدع النقّاشون في تشكيل حجارته، واعتمد البناءُ على أسلوب السقوف المرتفعة والأبواب الواسعة والعالية.
ينسجم تصميم القصر مع عظمة عمّان وتاريخها، ورغم بديع عمارته إلّا أنه يتسم بالبساطة، وينطوي على مسحة من الجمال المستوحى من فنون العمارة الإسلامية في الزخرفة والتشكيل والنقش، إذ أبدع المعماريون في بنائه، ووضعوا فيه خلاصة خبراتهم وفنونهم في إخراج البناء الذي عكست واجهتُه الأمامية طرازَ البناء الشرقي المزيَّن بالزنابق ورؤوس الرماح والشبابيك المقوَّسة والأعمدة المنحوتة.
وتجتمع في رغدان فنونُ العمارة الإسلامية الأموية والمملوكية والعثمانية، ويمكن أيضاً ملاحظة الطراز الأندلسي من خلال المقرنصات وفنون زخرفة السقوف وتصميم النوافذ والمداخل.
قصر "رغدان" الذي لم تتجاوز كلفة بنائه 1600 جنيه فلسطيني، هو صورة من صور تاريخ الأردن المشرقة، ورمز للمحبة والوفاء والعلاقة الوثيقة بين مؤسسة العرش والشعب الذي ينظر إلى المستقبل بتفاؤل وأمل بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.
الساحة الرئيسية لقصر رغدان العامر
شهدت الساحةُ الأمامية لقصر رغدان كثيراً من الأنشطة والاحتفالات والمراسيم، وكان جلالة الملك عبدالله الأول يستقبل فيها جموع المهنئين، ويعقد جلسات مع أهل الأدب والشعر والحكمة عُرفت بـ "جلسات رغدان".
وتجري في الساحة مراسيم استقبال كبار الزوّار، واستعراضات حرس الشرف، ومراسيم تقبُّل أوراق اعتماد السفراء لدى البلاط الملكي الهاشمي، والاحتفالات الرسمية في المناسبات الوطنية مثل عيد الاستقلال، ومراسيم رفع الأعلام الخاصة.
وعلى يمين الساحة ويسارها هناك مدفعان قديمان أُهديا إلى جلالة الملك عبدالله الأول.
أما بوابة القصر الرئيسية، فترتفع درجاتُها لتنتهي بمصطبة ذات سقف مرتفع أمام الباب الخشبي العتيق، ويرتفع فوق الباب رسمان يمثّلان الشعار الرسمي للدولة الذي تم إقراره في 25 آب 1934 بموجب قرار المجلس التنفيذي رقم (558).
البهو الرئيسي
يفضي الباب الرئيسي إلى بهوٍ مستطيل في الطابق الأرضي يقود إلى حجرات القصر، وتبرز فيه إبداعات العمارة الإسلامية وفنونها، فتظهر السقوف العالية والأبواب الواسعة والمرتفعة. وبعد صعود الدرج تَظهر في الواجهة لوحةٌ زجاجية تغطّي القوس الأوسط من نوعٍ بديع مرسوم وملوّن بطريقة الفن التشكيلي.
الجناح الأيمن في الطابق الأرضي
إلى يمين الداخل من البهو الرئيسي هناك حجرة استقبال، وأمامها ترتفع "دكّة" للصلاة مصنوعة من خشب الزان وأرضيتها من خشب الباركيه، حيث كان الملك المؤسس يقضي أوقات العبادة والتهجُّد فيها، ومن الحجرة الصغيرة نفسها يمكن الدخول إلى قاعة مستطيلة واسعة للاجتماعات واللقاءات ذات ستائر جميلة التصميم وزخرفة علويّة بديعة. ولهذه القاعة استخداماتٌ متنوعة وفقاً لنوع اللقاء أو النشاط.
الجناح الأيسر في الطابق الأرضي (الديوان)
إلى يسار الداخل من البهو الرئيسي هناك حجرة استقبال تتصل بقاعة مستطيلة فيها مكتبٌ لجلالة الملك يتصل بقاعة استقبال رئيسية، ويتزين السقفُ بزخارف هندسية مستوحاة من الفنون الإسلامية مع أبيات من الشعر تتحدّث عن "رغدان".
قاعة العرش
تمتاز قاعة العرش بكونها فسيحة، ذات رونق وبهاء، وقد زُيّن مدخلها الخشبي والزجاجي بإطارٍ من الرخام المصقول والمرمر الأبيض، ومنها يمكن الدخول إلى ساحة واسعة مرتفعة يتصدّرها إيوان بيضاويّ خلفيتُه من الشبابيك الزجاجية، ومصطبة ترتفع قليلاً، يستقر فوقها كرسيّ العرش الهاشمي، وبجانبه منضدة عليها زاوية خشبية من فنون الأرابيسك، وعلى اليمين علَم الدولة الأردنية، وإلى اليسار علَم جلالة الملك.
ينبعث من قاعةِ العرش الهدوءُ والأبّهة والوقارُ، بوجود الزخارف الجميلة والمقرنصات في زواياها العلوية، وتداخُل الرسومات المزخرفة في سقفها بما يشكّل لوحة من الفن العربي الأصيل.
ومن المراسيم التي تشهدها قاعة العرش استماع جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للردّ على خطاب العرش من مجلسَي الأعيان والنواب، وتقبّل أوراق السفراء المعتمدين لدى البلاط الملكي الهاشمي، وأداء اليمين الدستورية للحكومات.
حجرة الشريف الحسين بن علي
يشتمل القصرُ على حجرة خاصة بالشريف الحسين بن علي، أقام فيها بعد أن قضى ست سنوات في المنفى إلى أن توفّاه الله في قصر رغدان، يوم 2 حزيران 1931، وما زالت حجرتُه تفوح بعبق التاريخ والمجد والتضحية والوفاء والإخلاص للقضايا العربية والاسلامية. وقد نُقل جثمانه الطاهر إلى القدس ليُدفن في الرواق الغربي للمسجد الأقصى المبارك.
زيارات طلبة المدارس والجامعات إلى قصر رغدان العامر
فُتحت أبواب قصر رغدان العامر لزيارات الوفود وطلبة المدارس بتوجيهات ملَكية، في العيد الأربعين لجلالة الملك عبدالله الثاني في عام 2002، حيث استقبل جلالته مجموعة من الطلبة في القصر.
وتقوم وزارة التربية والتعليم بالتعاون والتنسيق مع الديوان الملكي الهاشمي بتعميم الفكرة وإدارة برنامج الزيارات المدرسية، كما ضمّنت الوزارةُ هذه الزيارةَ في منهاج التاريخ للصف العاشر.
ويمكن التنسيق للزيارات من خلال إدارة النشاطات التربوية بالوزارة، أو قسم التوثيق الهاشمي في الديوان الملكي الهاشمي.