العقبة: هكذا بنينا المدينة

بقيت العقبة على مدى عقود طويلة منطقة مهمة وذات ميزات استراتيجية عالية القيمة، لكن معظم تلك الميزات لم تكن مستغَلّة، وفي عام 2001 تحولت العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة بموجب إحدى مبادرات الفكر الاقتصادي والتنموي الجديد الذي قادها جلالة الملك في بداية عهده.

وخلال عقدين فقط، انتقلت محافظة العقبة من بلدة متوسطة الحجم لا يزيد عدد سكانها عن 104 آلاف نسمة (70 ألفاً منهم في قصبة العقبة)، إلى محافظة معاصرة يسكنها حوالي 223 ألفاً (176 ألفاً منهم في قصبة العقبة).. وغدت العقبة مدينةً مليئة بالحياة والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ومركزاً سياحياً إقليمياً، وأصبحت خامسَ مدن المملكة من حيث عدد السكان والثانية من حيث حجم الرأسمال الاقتصادي والاستثمارات وجودة البنى التحتية، ووفرت ما يزيد عن 51 ألف فرصة عمل. وبعد عقدَين من الإنجازات تجاوزت العقبة كل الرهانات التي أُطلقت مع بداية هذا التحول الكبير.

كانت الفلسفة الملَكية من تحويل العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة تتلخّص باستثمار الميزات الاستراتيجية للمدينة الساحلية، وتحويلها إلى عنصر قوة اقتصادية للدولة، وجعلها مركزاً لوجستياً إقليمياً للنقل والخدمات، ومركزاً تجارياً وصناعياً متقدماً في جنوب المملكة، ومركزاً سياحياً إقليمياً وعالمياً من خلال التكامل مع كلّ من البترا ووادي رم ضمن ما يسمّى "المثلث الذهبي".

كانت الخطة الأولى لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة تهدف إلى جذب 6 مليارات دولار من الاستثمارات بحلول عام 2020، وما حدث بالفعل أن المدينة استطاعت جذب 10 مليارات دولار من الاستثمارات بحلول عام 2008، ووصل حجم الاستثمارات المنجَزة عام 2023 إلى حوالي 20 مليار دولار.

في العقد الأول من قصة "العقبة المعاصرة"، تم التركيز على تطوير البنى التحتية للمدينة حتى غدت مركزاً لوجستياً متكاملاً في منطقة الشرق الأوسط يتمتع بقيمة مضافة في مجالات النقل متعدد الوسائط ضمن منظومة موانئ متكاملة ومطار دولي ومرافق لوجستية متطورة وحديثة.

كما شهد ذلك العقد مجموعة من الاستثمارات الكبيرة في المجالين السياحي والعقاري؛ منها: مشروع "سرايا العقبة" الذي يضم بحيرة صناعية وفنادق فاخرة وفللاً متنوعة، ومنتجع واحة أيلة الذي يضم بحيرات صناعية وفنادق فاخرة وملاعب غولف ومجمعات سكنية وتجارية بالإضافة إلى مرسى لاصطفاف اليخوت، ومشروع خليج تالا باي الذي يضم مجموعة فنادق ومنتجعات سكنية ومرسى لليخوت على الشاطئ الجنوبي لخليج العقبة، في حين تأجل البدء في جزء كبير من مشروع مرسى زايد، وهو استثمار إماراتي سياحي وعقاري ضخم، ويجري العمل للمضيّ قُدماً في إجراءات تنفيذ هذا المشروع الحيوي المهم.

في عام 2001 تم تطوير خطة رئيسية لمدينة العقبة، إذ تم تحديد استعمالات أراضي الموانئ الرئيسية لاستخدامها في الأغراض السياحية؛ الأمر الذي تطلب نقل جميع الموانئ إلى المنطقة الجنوبية بهدف توسيع الواجهة الساحلية للمدينة، وإنشاء منفذ يقدم خدمات لوجستية مدعومة بالصناعات.

وفي عام 2004 أُنشئت شركة تطوير العقبة التي تعدّ الذراع الاستثمارية والتطويرية لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وفي عام 2006 تأسس ميناء حاويات العقبة من خلال إبرام شراكة مع شركة تشغيل وتطوير متخصصة لمدة 25 سنة لإدارة وتشغيل ميناء الحاويات، وفي عام 2008 أصبح ميناء حاويات العقبة بوابةً للمشرق العربي والعراق تعمل بأفضل المعايير الدولية. وفي عام 2012 وضعَ جلالة الملك عبدالله الثاني حجر الأساس لميناء العقبة الجديد بالشراكة مع شركة تطوير العقبة والحكومة.

وفي عام 2023، أصبحت العقبة تضم منظومة موانئ من 12 ميناء متخصصاً تشمل 32 رصيفاً، أبرزها: ميناء الحاويات، والميناء الصناعي الذي أعيد تأهيله عام 2016، وميناء النفط، وميناء الغاز البترولي المسال، وميناء الفوسفات الجديد (2013)، وميناء العقبة للخدمات البحرية، وميناء الشيخ صباح للغاز المسال، وميناء الركاب، والميناء الأوسط (ميناء اليرموك)، وميناء السوائل متعددة الأغراض، علماً أن جميع هذه الموانئ ملْكٌ للحكومة الأردنية مع اختلاف أنماط عقود إدارتها.

وفي مجال الخدمات اللوجستية أيضاً، تم تطوير مطار العقبة وإعادة تأهيله لاستقبال أنواع الطائرات كافة، وارتفع عدد إجمالي المسافرين (قادمون ومغادرون) من 120 ألفاً عام 2000 إلى حوالي 238 ألفاً عام 2022. كما تم إنشاء مجموعة من القرى اللوجستية و9 مساحات للتخزين.

وفي المجال الصناعي، حققت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة قفزات نوعية، فهي تضم اليوم 4 مدن صناعية (مدينة العقبة الصناعية الدولية، مدينة القويرة الصناعية، شركة الموانئ الصناعية الأردنية، الشركة الوطنية العقارية الأردنية)، وحوالي 100 منشأة صناعية حديثة في مجالات صناعية مختلفة ومتعددة.

وتم تطوير منطقة وادي رم حتى غدت واجهة سياحية معروفة، وأنشئ مركز زوار حديث فيها، وارتفع عدد المخيمات السياحية داخل المحمية عام 2022 إلى حوالي 200 مخيم، كما وُضعت خطة شاملة لتنمية المنطقة، وخُصص لها 14 مليون دينار للأعوام 2022-2024.

بعد مرور أكثر من عقدين على إنشاء منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة؛ تبدو المدينة التي شيّدها الأردنيون من جديد، العقبة المعاصرة، مدينةً ذات بنية تحتية متقدمة يسكنها حوالي ربع مليون نسمة، ويزورها في العام أكثر من مليونَي زائر. وخلال ذلك، وفرت المدينة ما يزيد عن 51 ألف فرصة عمل، وأصبحت تشتمل على منظومة متكاملة من الموانئ، وتعدّ مركزاً متقدماً في الشرق الأوسط للنقل والعمليات اللوجستية، وتشكّل واجهة سياحية مزدهرة تضم 71 فندقاً بتصنيفات مختلفة تحتوي على حوالي 5600 غرفة فندقية، ويأوي إليها حوالي مليون زائر مبيت سنوياً، وفيها العديد من المنتجعات السياحية الفاخرة، وأربع مدن صناعية، وأربع جامعات.